الاب توما مهنا، في العقد الثامن من عمره، من لبنان بلد الارز الجميل، ومن عائلة مباركة شملها الله بنعمه لتكون منبعا للدعوات؛ كاهن حقيقي وراهب وقور، انسان متواضع ذو قلب كبير مرهف، لا يالو جهدا في سبيل كنيسة العراق واكليروسها ومؤمنيها؛ بعد عمل طويل ومسيرة غنية ومثمرة في الكنيسة المارونية والرهبنة اللبنانية، وجامعات لبنان، يواصل اليوم هذه المسيرة بكل فرح بيننا، ليكون علامة رجاء كبيرة لنا في ارض العراق العزيز.
س: نستهل حديثنا معك بالعودة الى البداية، ولادتك، والبيئة التي نشات فيها، وعائلتك الكريمة؟
انا من مواليد ادّه البترون ( لبنان) 1929. اسم والدي لطف الله، ووالدتي بديعة ؛ تاريخ عمادي في كنيسة مار سابا – اده البترون 28 نيسان 1929، وتاريخ تثبيتي في نفس الكنيسة، 6 تشرين الأول 1936؛ اسمي المدني زعيتر لطف الله مهنا.
لي أخوان، احدهما راهب- كاهن في رهبانيتنا. الأب أوغسطين مهنا، أستاذ اللاهوت الاسراري في كلية اللاهوت الحبرية – الكسليك، وفي المعهد الشرقي- روما؛ والثاني متزوج وله عائلة مؤلفة من ستة أولاد؛ ولي أربع أخوات، ثلاث منهن راهبات في رهبانية القديسة رفقا، والرابعة متزوجة ولها عائلة مؤلفة من 13 ولدا ( من بينهم ثلاث راهبات).
تقع بلدة اده في قضاء البترون، التابع لمحافظة لبنان الشمالي، وتمتاز بكنيستها – مار سابا – التي تعود إلى زمن الصليبيين؛ ويمتاز قضاء البترون بوجود دير مار يوحنا مارون فيه، المقام الأول للبطريركية المارونية في لبنان ( وهو اليوم مركز الأسقف المكاني)، ومزار القديسة رفقا ، والقديس نعمة الله، والطوباوي الأخ اسطفان.
عدد سكان اده بلدتي لا يتجاوز الألف؛ كلهم مسيحيون موارنة؛ كانوا، حتى الفترة الأخيرة يعيشون من منتوجات الأرض ( قمح، زيتون، كروم، تبغ ).
س: حقا انها لبركة ونعمة ان تنشا في عائلتكم الكريمة كل هذه الدعوات. وماذا عن دراستك، ما الاشواط التي قطعتها في هذا المجال؟
أتممت دروسي الابتدائية ( 1936 – 1944) في مدرسة اده – البترون، وفي مدرسة اسمر جبيل، وأخيرا في البترون.
وأتممت دروسي المتوسطة والثانوية ( 1944- 1954) في مدارس الرهبانية اللبنانية المارونية: مدرسة سيدة المعونات – جبيل، مدرسة سيدة ميفوق – ميفوق، اكليريكية الروح القدس – الكسليك ( جونية):
حصلت على شهادة البكالوريا اللبناني للتعليم الثانوي: –
القسم الأول – فرع علمي – دورة 1952 الأولى
القسم الثاني – فرع الفلسفة – دورة 1954 الأولى
س: وعن دعوتك الرهبانية وما تبعها من دراسة ماذا تخبرنا؟
دخلت إلى الرهبانية اللبنانية المارونية لاعتنق الحالة الرهبانية سنة 1944، وأبرزت نذوري الموقتة في 11 تموز 1948، ونذوري المؤبدة في 17 كانون الاول 1953.
اتممت دروسي اللاهوتية ( 1954 – 1957 ) في اكليريكية الروح القدس – الكسليك، فكانت رسامتي الكهنوتية في 25 كانون الاول 1957.
ثم اتممت دروسي الجامعية (1957 – 1962) في جامعة الغريغوريانا الحبرية – روما، وحصلت على شهادة الليسانس في الفلسفة في 20 تموز 1960، وعلى شهادة الدكتوراه في الفلسفة في 11 كانون الثاني 1962.
س: ننتقل الى جانب مهم في حياتك ونشاطك، هو عطاؤك الثر علميا واكاديميا:
قمت بتعليم مادة الفلسفة العامة باللغة الفرنسية، في اكليريكية الروح القدس – الكسليك وشاركت في تصحيح المسابقات في امتحانات الدولة الرسمية للشهادة الثانوية من العام 1963 حتى العام 1972.
وقمت بتدريس مواد فلسفية عديدة في
- كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية ( جامعة الروح القدس – الكسليك) ، بطريقة متواصلة، خلال الأعوام ( 1963 – 1986).
- و كلية اللاهوت الحبرية ( جامعة الروح القدس – الكسليك)، خلال الأعوام ( 1973 – 2007) .
- ومعهد العلوم الاجتماعية – الفرع الثاني ( الجامعة اللبنانية)، خلال الأعوام ( 1979 – 2001).
- وقمت أخيرا بالإشراف على إعداد رسائل دبلوم وأطروحات دكتوراه في الفلسفة، وشاركت في لجان فحص لهذه الشهادات، في جامعة الروح القدس – الكسليك، خلال هذه الفترة .
س: وحول نشاطك الاداري والفكري؟
لدى عودتي من روما ( سنة 1962)، حاملا شهادة الدكتوراه في الفلسفة، كلفت بالإشراف على الدروس الفلسفية السابقة للدروس اللاهوتية والمقتضاة لها، والمدرجة في سنتين دراسيتين ؛ فعملت على إدراج هذه المواد في برنامج دروس مقتضاة للحصول على شهادة الليسانس في الفلسفة، مؤسسا هكذا ” كلية الفلسفة” إلى جانب كلية اللاهوت؛ فعينت عميدا لهذه الكلية الجديدة؛ ثم عملت على تطوير هذه الكلية، مضيفا إلى قسم الفلسفة القائم فيها، الأقسام الثلاث التالية: قسم علم النفس، وقسم علم الاجتماع، وقسم علم التربية، ومعدا لكل قسم من هذه الأقسام برنامج دروس مقتضى، يوصل المنتمين إليه، إلى شهادة الدكتوراه. بعد هذا التطوير، أصبح اسم الكلية: ” كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية”، وبقيت عميدا لها حتى عام 1986.
س: مع كل هذا النشاط العلمي والاكاديمي، والشهادات العليا، لابد من نتاجات فكرية؟
لا يزال مجمل نتاج نشاطي الفكري مخطوطا، بانتظار صياغة نهائية تقتضيها الطباعة.
-أما النتاج المطبوع فيقتصر على مقالات ودراسات حول مواضيع عدة، اغلبها بالعربية وبعضها بالفرنسية ( حوالي المئة)، منشورة في عدة مجلات وإصدارات ثقافية.
-نشرت مختصرا عن اطروحة الدكتوراه، في اربع مقالات باللغة الفرنسية، في مجلة ملتو ( Melto)، خلال العامين 1965 و 1968
-سلسلة ” ربي، املآني منك”
قراءة نصوص الانجيل اليومية وشرحها بحسب الطقس الماروني 2008 – 2009 ( احد عشر كتابا).
س: ناتي الى علاقتك بكنيسة العراق، وتحديدا عملك في كلية بابل، كيف بدات الفكرة، والى اين وصلت في الواقع اليوم؟
بدأت علاقتي بكلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت في نهاية العام الأول لتعييني عميدا لكلية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس – الكسليك( شباط 2000).
نزولا عند رغبة المثلث الرحمة مار روفائيل الاول بيداود، كلفت بالسفر الى بغداد، وحضرة اخي الاب هاني مطر، للاجتماع بالمسؤولين حينها عن الكلية في موضوع التعاون المتبادل. عقدنا خلال اسبوع عدة اجتماعات وتوصلنا اخيرا الى:
- عقد اتفاقية تعاون وتبادل أساتذة وخبرات بين الكليتين، بتاريخ 22/12/ 2000؛ تجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق قد حظي بتوقيع بطريرك كل من الكنيستين المارونية والكلدانية.
- شراء بيت- ملكية جامعة الروح القدس بقرب الكلية، تسجل على اسم البطريركية الكلدانية، بهدف توفير محل إقامة مستقل للقادمين من لبنان، من كلية اللاهوت الحبرية، في خدمة التعاون المتبادل.
- أسست هذه الاتفاقية لعلاقة صادقة وعميقة بين إدارتي الكليتين؛ وسمحت ظروف مؤاتية بأفعال تعاون عديدة ( تعليم، محاضرات، طباعة..)، قام بها عاملون في كلية بابل لصالح كلية اللاهوت الحبرية؛ وحالت ظروف راهنة ( الحرب العراقية) دون قيام هذه الأخيرة بالبديل الواجب لصالح تلك.
ونزولا عند رغبة حضرة الأب عبدو بدوي ومسعاه، وبعد مباركة قدس الأب العام الياس خليفة السامي الاحترام، وموافقة جامعة الروح القدس – الكسليك بشخص رئيسها الأب هادي محفوظ وعميد كلية اللاهوت الحبرية فيها الأب بولس روحانا، وإحياء لاتفاقية التعاون المتبادل المشار إليها أعلاه، وبناء على طلب حضرة الأب ( المطران) بشار متي ورده بصفته أمين سر كلية بابل الحبرية، التي تحولت ، بسبب الحرب العراقية إلى عنكاوا – اربيل منذ العام الأكاديمي 2006 – 2007، وبصفته أيضا مدير معهد مار شمعون الصفا الكهنوتي المنشأ حديثا في نفس المكان،
- قمت وحضرة الأب عبدو بدوي، بالسفر إلى اربيل – عنكاوا، الاثنين 8 كانون الأول 2008، حيث أقمنا أسبوعا كاملا، حتى يوم الجمعة 12 منه، فامن كل منا تدريس مادة واحدة ـبرصيد واحد ( 15 ساعة) وشاركنا في اجتماع عمل إدارة الكلية والمعهد، برئاسة عميد الكلية سيادة المطران جاك اسحق السامي الاحترام، حيث أشير إلى علاقة كنيستينا التاريخية، والى الاتفاقية المبرمة وضرورة تفعيلها.
- وفي سبيل ذلك وبعد فترة قصيرة عقد اجتماع إداري آخر، في أمكنة كلية اللاهوت الحبرية – الكسليك، شارك فيه، من جهة كلية بابل، وفد برئاسة عميدها سيادة المطران جاك اسحق، ومن جهة كلية اللاهوت الكسليك، عميدها الأب بولس روحانا وبعض معاونيه وعدد من الأساتذة، وذلك نهار الثلاثاء الواقع في 10 آذار 2009.
اقتصر جدول أعمال هذا الاجتماع على اطلاع المشاركين فيه من قبل كلية اللاهوت الحبرية، إداريين وأساتذة، على أوضاع كلية بابل الحبرية، وعلى حاجاتها إلى مدرسين لمواد فلسفية على الأخص.
7-3- لقد أدى هذا الاجتماع، في خطوة أولى ومباشرة، إلى إحاطتي، وأخي الأب عبدو بدوي، بالتقدير، كما لقينا تشجيعا على المتابعة وعلى تكثيف العمل؛ فامتدت فترة إقامتي، في السنة الدراسية عينها، على حوالي الشهر ( من 12 آذار حتى 6 نيسان من 2009 )؛ وأخذت فترة إقامتي هذه تمتد، بدءا من السنة التالية، 2009 – 2010، على شهرين ونصف الشهر في كل من فصلي السنة الدراسية؛
س: وماذا يتناول نشاطك اليوم؟
نشاطي يتناول:
- تدريس المواد الفلسفية التالية:
فلسفة الأخلاق، فلسفة الوجود والموجود، الفلسفة السياسية، معرفة الله فلسفيا، فلسفة الطبيعة، تحليل نصوص فلسفية
ب- استقبال الطلاب للاعتراف والإرشاد، بعد ان عينت مرشدا في المعهد نزولا عند طلب مديره الأب ( المطران) بشار، ومباركة غبطة السيد البطريرك.
ج- أحاديث روحية وتأملات ولقاءات مع الطلاب ومع جماعات رهبانية تابعة لرهبانيتي بنات مريم وبنات قلب يسوع الأقدس الكلدانيات.
د- حضور في المعهد ومشاركة جماعة الآباء والطلاب المقيمين فيه حياتهم، واستعداد لتلبية أي طلب؛ رياضة، محاضرة، حديث روحي، إبداء رأي في تدبير او في كتابة….
ويبقى ان أشير إلى ان اجتماع العاشر من آذار 2010، قد أدى، في خطوة أخرى، إلى مزيد من الثقة المتبادلة بين إدارتي الكليتين، ومن الرغبة في التعاون وفي توسيع مجالاته. والشاهد على ذلك ما أتمه حضرة الأب جنان شامل ( المسؤول عن المكتبة في كلية بابل وفي المعهد)، اذ أقام علاقة وطيدة مع حضرة الأب جوزف مكرزل ( المسؤول عن المكتبة العامة في جامعة الروح القدس)، يتم بموجبها تبادل المنشورات، وتخطي ذلك الى الاهتمام بالمخطوطات والى التدرب على كيفية معالجتها وصيانتها التقنية؛ كما وان الشاهد على ذلك هو في ما قام به حضرة الأب يوحنا عقيقي، العميد السابق لكلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في الكسليك، وأستاذ الفلسفة فيها وفي كلية اللاهوت، إذ أبدى الاستعداد على تدريس مادة او مادتين، سنويا، في كلية بابل الحبرية .