مقابلة مع الأب فرنسيس شير

بمناسبة السنة الكهنوتية ارتاينا اجراء مقابلة مع الاب فرنسيس شير كونه احد مدراء الاكليريكية الصغرى-معهد ماريوحنا الحبيب- في الموصل للفترة من 1975-1985، اضافة الى عمله كمرشد ومعرف لسنوات طويلة في الاكليريكيات البطريركية، وككاهن فاضل معطاء لاكثر من 50 عام.

  1. هل لك أن تسرد لنا قليلاً عن التنشئة الإكليريكية التي تلقيتموها في معهد مار يوحنا الحبيب؟ ماذا تركت هذه السنوات في أعماقكم؟

ج: دخلت المعهد في خريف 1946 كانت الحياة فيه قاسية والقوانين صارمة والإلتزام دقيق والمحاسبة شديدة. بكلمة كانت حياة شبه عسكرية، وتاكيدا على ذلك فقد قضينا عشرة اعوام دون ان نجد نارا نتدفا بها، وفي عام 1950 وصلت درجات الحرارة الى 16 تحت الصفر! لقد كان التركيز في هذه الفترة بالدرجة الأولى على القداسة والدراسة، كنا 23 تلميذا وتخرجنا 4 فقط! سمحوا لنا الأسبوع الأول فقط أن نتكلم العربية ثم صار كل شيء بالفرنسية. علمتنا حياة المعهد الإلتزام والنظام.

علمتنا حياة المعهد حب العمل، علمتنا التكيف مع الحياة المشتركة، علمتنا حب الصلاة، علمتنا الروح المسكونية فقد عشنا نحن الكلدان جنباً إلى جنب مع السريان كأخوة. وهكذا اتسعت رقعة علاقاتنا الاجتماعية. وهذا جزء من تكوين الشخصية. وهكذا جعلت تربية المعهد منا رجالاً يعرفون معنى وقيمة المسؤولية ويمارسونها. علمتنا ان نحب الواجب والتضحية ونقوم بهما بفرح وجدية. علمتنا أن نحب شخص المسيح ونهيم به إلى أقصى الحدود. علمتنا ايضا حب النفوس وخدمتها  والعمل على خلاصها، والهرب من المال، الحذر من حب  المطرنة هذا المرض الذي يقف بالمرصاد للكاهن الذي يبلغ الاربعين من عمره. علمتنا العمل على   تقديس الذات واكتساب الفضائل، والعطف على على الفقراء. علمتنا حب الصمت والمطالعة والعمل الجماعيوحب المجازفة في من اجل النفوس.

لقد تركت تلك السنوات في أعماقي تأثيراً عميقاً انعكس على حياتي اليومية فترك فيها أصابع تلك التنشئة.

  1. تم اختيارك مديرا لمعهد مار يوحنا الحبيب في الموصل سنة 1975 ، كم امتدت هذه الفترة وكيف كانت الظروف المرافقة لها، ومع من عملت؟  

بعد 18 سنة من خدمة النفوس انتقلت إلى المعهد في خريف 1974. وبعد قضاء سنة مع الأب ريشار الدومنيكي استلمت إدارة المعهد في 15/9/ 1975. لمدة 10 سنوات وكان المعهد قد أغلق أبوابه وأرسل التلاميذ إلى أهلهم إثر انتهاء إقامة الأب ريشار في العراق في صيف 1975. على أثرها وجه سيادة السفير البابوي المطران جان روب نداء مُلحاً إلى أساقفة الشمال يدعوهم فيه إلى إرسال التلاميذ إلى المعهد. فوصل في نهاية أيلول 23 طالباً ومعهم باشرنا مناهج السنة الجديدة. وبقيت في إدارة المعهد من 1975 إلى 1985 حيث تقرر في اجتماع للسفير البابوي المطران لويجي كونتي مع أساقفة الشمال إغلاق المعهد وإرسال التلاميذ إلى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد. فقدمت استقالتي في 1/7/ 1985 فعدت إلى أبرشيتي وتم تعيني في خدمة النفوس في خورنة أربيل.

  1. كيف كانت تتم مسيرة تنشئة التلاميذ أيام إدارتكم؟ ماذا كان محتوى برنامجكم؟

ج: لم أكن مرتاحاً من البرنامج. فقد كان التلاميذ يدرسون في النهار في متوسطات واعداديات الموصل. وفي المساء كنا ندرسهم ونعلمهم الديانة واللغة السريانية والطقس (الليترجيا): فكان النهوض صباحاً في الخامسة والنصف ثم التأمل اليومي ثم صلاة الفرض ثم القداس الإلهي وفي المساء كنا نتلو صلاة الرمش والوردية والإرشاد.

ولكن بما إن التلاميذ كانوا يقضون القسم الأكبر من النهار في المدارس الحكومية. فقد كان البرنامج المكثف هذا صعباً عليهم. وقد فكرنا أكثر من مرة في أن نغير هذا البرنامج. ولكن لم يكن لنا أي مجال لذلك، فقد كانت هذه الطريقة المعتدلة للحفاظ على حياة المدرسة وحياة المعهد. ومن المؤسف أن معظم التلاميذ الذين كانوا ينجحون من السادس الإعدادي كانوا يقطعون علاقاتهم مع المعهد ويدخلون الكليات. ولكن بقيت قلة قليلة من الطلاب أرسلناهم إلى روما لمواصلة دروسهم في كلية انتشار الإيمان وتخرجوا منها ورسموا كهنة.

  1. بعد خبرة عشر سنوات في إدارة الإكليريكية ما هي نصائحك وتوجيهاتك للقائمين على الإكليريكيات اليوم في خضم التحديات القائمة؟
  • ان يكون الاختيار من النخبة لا كما يتفّق. أي ممن تتوفر فيهم روح التقوى وحب الخير ومن عائلة ممارسة متدينة.
  • أن يتحرر التلاميذ (المرشحون) من الدراسة في المدارس الحكومية وذلك بقبول من خريجي الدراسة الإعدادية والكليات.
  • ان تعطى المكانة الأولى للحياة الروحية للتلاميذ، كإختيار مرشد لهم يعيش معهم ليل نهار ويكون دوما في متناولهم. ويلتقي بهم كل أسبوع مرتين أو 3 مرات. إضافة إلى المرشد الخاص لكل تلميذ يلتقي بهم كل أسبوع مرة على الأقل.

منذ البداية يجب إفهام التلاميذ إن قداستهم أهم من دراستهم وان رسالتهم روحية وليست وظيفة حكومية.  ولذا عليهم أن يبدأوا بوضع اللبنات الأولى لحياتهم الروحية على التواضع والإيمان وحب التضحية والصلاة والإقتداء بالمسيح. وتكرار ذلك مرات ومرات.

يجب التركيز منذ البداية على الثقة المطلقة بالله ومحبة كل إنسان وذلك في التأمل اليومي والاحتكاك بالمسيح. وقراءة حياة القديسين وحب النفوس وتقديسها وخلاصها.

  • فضلاً عن الإدارة، خدمت أيضاً في الإكليريكيات مرشداً ومعرفاً لسنوات طويلة في الإكليريكيتين؟ ماذا تخبرنا عن ذلك؟
  • أن يكون المرشد منفصلاً عن المعرّف. فلا يكون هو معرفاً ومرشداً.
  • أن يكون الاعتراف شهرياً و يُعُّد له.
  • لقد فقد الإعتراف قيمته. أرى إنه من الضروري شرح معانيه وأبعاده بأسلوب جديد كمصدر للنعم وكتربية للنفس السائرة في طريق القداسة.
  • أرى أن يكون المعّرف شخصا قديساً، له خبرة روحية. وملماً بتهذيب وتربية الإكليريكيين. هذا بالنسبة إلى المعّرف.

أما بالنسبة إلى المرشد:

كنت أشعر إن بعض الاكليريكيين في الاكليريكيتين لم يفهموني ولا أنا فهمتهم. ولذا طلبت إدارة المعهد بتعيين غيري للإرشاد.

ليس من السهل أن يكتشف الشاب حياته وعيوبه وأخطاءه وأسراره للآخرين حتى ولو للكاهن. فان قيمة الكرامة لدى كل إنسان ولاسيما لدى الشاب تأبى أن يُقدم على ذلك. ولاسيما فيما يخص العفة. كم وكم حاولت أن افتح ثغرة في حياتهم الخاصة فلم أفلح.

مهمة المرشد أصعب من مهمة المعرف. فهو الذي يستلم نفس المسترشد ويصوغها ويقودها ويربيها. المطلوب من المرشد أن يكون مربياً روحياً قديساً له روح الله. فالمرشد ليس له أن يكتفي بإسداء النصائح العمومية والمثالية، بل أن يُنزل مسترشده إلى ميدان العمل. ويخصص أفعالاً أو أعمالاً ينفذها.

المهم في الإرشاد كسب ثقة الإكليريكي. فمن الضروري أن يُلزَم بإختيار مرشد روحي لنفسه. ومراقبته ومحاسبته ومتابعته. فالإرشاد في أيامنا في غاية الأهمية فالإكليريكي الذي يصبح كاهناً بحاجة إلى من يقوده في تجارب الحياة. فالحياة الكهنوتية لها مشاكلها وتحدياتها وصعوباتها. ولذا فهو بحاجة إلى حياة روحيه عميقة يزرعها المرشد في نفسه.

من خبرتي اكتشفت ان التلاميذ ككل الشباب ليس لهم رغبة لا في الإعتراف ولا في الاسترشاد أو حتى اذا اعترفوا أو استرشدوا سيكون ذلك سطحيا. يكره التلميذ كشف عيوبه وأخطائه للآخر كائنا من كان. لذا يجب منذ البداية إفهام التلميذ انه لا يعتمد على نفسه. لأن ليس له خبرة روحية فيحتاج إلى يقوده وينوره. ويجيب إلى تساؤلاته.

  1. اليوم بعد خدمتك الطويلة ما يزيد على 50 عاماً، في الرعايا والإكليريكيات برأيك ما الصورة التي يجب ان يحملها أو الصفات التي يجب أن يتحلى بها كاهن اليوم؟

أضع التواضع في المقدمة، أن يكون بسيطاً، خدوماً،منفتحاً، خلوقاً، صبوراً، متعففاً، مطيعاً، غير متعلق بالمال. متفائلاً، فرحاً، بشوشاً، سعيداً في خدمته، يحب التضحية، يحب النفوس، له ايمان وتقوى عميقة. له علاقة شخصية قوية وعميقة مع شخص المسيح. له احتكاك بالنفوس، مطلع على مشاكل رعيته. يحب الخدمة المجانية، وبكلمة أن يكون قديساً.

كلمة أخيرة بمناسبة سنة الكهنوت.

للكاهن رسالة رائعة في الحياة. فهو مسيح آخر. لا يكفي أن يعرف ذلك بل أن يعيش كذلك. يعيش من المسيح ومع المسيح ليعيش مثله. يتغير لكي يغّير .

القداسة الكهنوتية هي في التواضع: الكاهن البسيط، الخدوم، المتواضع، الوديع، يحبه الجميع، واليه تذهب النفوس، النفوس تكره الكاهن العالم صاحب الشهادات الذي ينظر إلى النفوس من فوق.

القداسة قبل الدراسة. الدراسة من أجل القداسة. الكاهن القديس هو الذي يعمل الخير ويخلص النفوس. وأكبر كارثة في العالم هي أن لا يكون الكاهن قديساً.

كان القديس خوري آرس يقول: لا تخلص النفوس بالخطب الرنانة ولا بالمشاريع الكبيرة، ولا بالعلم الغزير، بل بالصوم والصلاة وقمع الذات، والاقتداء بتواضع المسيح والتألم من أجله.

الكاهن رسول وليس موظفاً. فلينظر إلى رسالته بعين المسيح، ويغذيها بالصلاة والتأمل وقراءة الكتاب المقدس.

الكاهن الصالح يكون مستعداً لمقاومة التيار، والتكلم مع المؤمنين بلغة العصر ، ويطعّم العصر بروح مبادئ الانجيل. فيتجدد هكذا بأنوار الروح القدس ويجدد الآخرين. ويكون غيوراً على خلاص النفوس ويبذل ذاته من اجل تقديسها وخلاصها.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …