نشرت في مجلة نجم المشرق العدد 53 السنة الرابعة عشرة (1) 2008
ككل العظماء تراه انسانا هادئا متواضعا طيب القلب رحب الصدر، قضى معظم اشواط حياته بين الدراسة والتدريس، اول من نوط القداس الكلداني، يعمل مستشارا ومدرسا للطقس والاباء السريان في المجمع الشرقي في روما، عضو في اللجنة الطقسية الكلدانية، يتقن اضافة الى اللغات المحلية، الانكليزية والايطالية والفرنسية والالمانية واللاتينية واللغات القديمة، ويفهم الاسبانية والهولندية، وكان مستشارا لسنهادوسين كلدانيين في زمن مثلث الرحمات روفائيل الاول بيداويد. كرمليس، الموصل، روما، باريس تلك اهم المحطات في رحلة طويلة جاوزت عقودا سبعة بين العلم والعمل والخدمة الروحية والكنسية ومحبة خاصة للشرق والشرقيات، كان هذا اللقاء الشيق مع الاب بطرس يوسف:
س:العودة الى البدايات، الى النشاة الاولى والاجواء التي رافقتها؟
ج: من مواليد كرمليس 1936، درست الابتدائية فيها حتى 1949
نشات في جو مسيحي، في الكنيسة مع الشمامسة الصغار. اهتم والدي بشكل خاص في تتيع اللغة الكلدانية، وفي الصيف كان ياتينا المرحوم الشماس شمعون حنونا، وكان يعلمنا انا واخي الطقس والترجمة كل يوم بعد صلاة الرمش مدة سنتين او ثلاث، بحيث عندما دخلت المعهد الكهنوتي البطريركي في الموصل، كنت اخدم القداس واترجم القراءات من الكلدانية الى السورث. كما تعلمت المزامير الاولى من والدي. من هنا كان التعلق بالطقس وبالهوية وبكنيسة المشرق.
اذكر حين كنا نؤدي الامتحانات النهائية (البكالوريا) كنا نذهب الى برطلة ونقضي الليل هناك، لان كرمليس لم تكن انذاك الا قرية صغيرة. كما واذكر كيف كنا نركز على الدراسة وعلى الكنيسة ايضا صباح مساء، اما الصيف فبعد القداس وصلاة الصباح، كنا نقضي ايامه في الكروم.
س: كيف نشات دعوتك الكهنوتية، ومتى دخلت الاكليريكية، زملاؤك من كانوا، وبمن تاثرت؟
ج: في هذه الاجواء نشات ونشات دعوتي، فدخلت ايلول 1949 المعهد البطريركي، وكان يراسه انذاك الاب (المطران) كوركيس كرمو، من بين زملائي اذكر مثلث الرحمات (حميد) يوسف توماس والمرحوم الاب توما مركو، ثم التحق ايضا كل من الابوين سليمان دنحا ويعقوب يسو.
تحسنت درجاتي كثيرا في السنة الثانية، في هذه الفترة بدات اهتم بالمقامات الطقسية، التي كان الاب بولس بشي مسؤولا عنها. كما وتاثرت بالمرحوم الاب يوسف بابكا، ومثلث الرحمات اسطيفان بابكا بالمقامات.
س: ما الكيفية التي بموجبها جرى انتقالك الى روما وماذا درست وما الشهادات التي حصلت عليها؟
ج: في سنتنا الرابعة في الاكليريكية، اخبرنا ان من يتميز في الدراسة سيرسل الى روما، فوقع الاختيار علي، ليس دون تدخل العناية الالهية، بمعية حميد توماس (مثلث الرحمات يوسف توماس) ويعقوب يسو (الاب). وصلنا روما في 3 تشرين الاول 1953 وانصب اهتمامنا الاول على اللغة اللاتينية، وقد تعب معنا انذاك الاب بولس بشي.
سنة 1956 انهيت دراسة الليسانس في الفلسفة مع يعقوب يسو وحميد توماس، ثم درست اللاهوت لاربع سنوات وقدمت اطروحة في علم المعرفة سنة 1960. كما وسجلت مع يوسف حبي في معهد ماريانوم للحصول على دبلوم المريميات، وقدمت رسالة عن الترتيلة المعروفة: (بشما دبابا وبرونا، ترجمة لاتينية ودراسة). نهاية سنة 1962 اتممت على عجالة اطروحتي للدكتوراه في اللاهوت: الافخارستيا في الطقس الكلداني: 1- دراسة عن الافخارستيا 2- نصوص في الكتب الطقسية.
في كلية نشر الايمان نلت نعما كثيرة سواء بواسطة الرئيس المرحوم: المونسنيور فيلكس جنجي، او من خلال الجو المشبع بالايمان. فقد كانت حياتنا حياة محبة عميقة وانفتاح لمختلف البلدان والثقافات، كنا نشعر –وماازال- ان تلاميذ البلدان الاخرى كانهم من بلدي.
س: وعن رسامتك الكهنوتية ماذا تخبرنا؟
ج: تمت رسامتي الكهنوتية في 20 كانون الاول 1960 في روما على الكاردينال اغاجنيان الذي كان رئيس مجمع نشر الايمان (بروبغندا فيدي)، مع الاب يعقوب يسو والاب يوسف توماس واخرين .. كان ثمة تعلق خاص بين التلاميذ الكلدان والملباريين بفضل المرحوم الاب بلاسيد بودي بارا الكرملي. وهذه الصداقات انتصبت امامي عندما ادرس في المعهد الشرقي. ومن وحي الانجيل وضعت لنفسي هذا الشعار(يارب كي اكون صخرة تسند عليها راسك).
س: هل كانت ثمة اهتمامات اخرى جانبية اثناء الدراسة؟
ج: اهتممت في المعهد بالموسيقى، باشتراك الخورس والدراسة داخل نطاق المعهد. كنا نخدم القداس الكلداني في راديو الفاتيكان، وكتبت النوطة للقداس الكلداني، كنت الحن القداس اثناء لقاءات اخوية. كان هذا دافعا وزخما قويا لنا في الروح الارسالية وتعلقا بالعذراء ام الرحمة، وايضا بالقديسة ترازيا الطفل يسوع، شفيعة الارساليات، لان لاهوت التبرير في تآليفها يطابق لاهوت التبرير في القداس الكلداني.
س: ماذا بعد الدراسة والرسامة في روما؟ اين كانت وجهتك وماذا كانت نشاطاتك راعويا وفكريا؟
ج: طلبوني قبل انهاء دراستي، عدت يوم 3 كانون الثاني 1963 الى الموصل. في صيف تلك السنة عينت كاهنا لخورنة مسكنته اثر سفر الاب جبرائيل باكوس الى فرنسا. وفي خريف 1964 طلب مني الاباء الدومنيكان، تدريس الليترجيا في معهد ماريوحنا الحبيب، وبعد سنتين اللاهوت العقائدي، وخلال تلك الفترة عاد الاب يوسف حبي، وبالاتفاق مع سيادة مطران الابرشية مثلث الرحمات ددي، تولى الاب حبي المسؤولية على ان اساعده فيها، نظرا لتدريسي في المعهد، وهذا ما جعلني ان اكون في خدمة المطران ددي وارافقه في زياراته للعوائل، وهذا ساعدني ان اتعرف الى اهالي الموصل، وفي الوقت عينه على طلب الاخوات الكلدانيات كنت اعلمهم الالحان والتراتيل. ودرست اللغة الفرنسية لسنتين في جامعة الموصل ( 1969 و1970).
سنة 1970 نظرا لحاجة الموصل الجديدة الى كنيسة، عينني سيادته فيها، فوجدنا الارض وبدانا مشروع بناء كنيسة مار افرام، وكانت خبرة رائعة لما كان فيها من تعاون وتضامن…كما كان التعاون طيبا بين الكهنة انذاك في كنيسة مسكنته، كنت مع المرحوم الاب جبرائيل باكوس والاب (المطران) جاك اسحق والاب يوسف حبي، وكنا نعمل بانسجام، تحت رعاية المطران ددي، ذي النفس الرفيعة والقلب الطيب والصوت الرخيم.
ابان السبعينيات كان عندنا اجتماع مع مع شباب الموصل، وكنا نشترك في التعليم المسيحي للثانوية في كنيسة ام المعونة، ونقوم بزيارة العوائل.
وفي غمرة العمل في الاسبوع الثالث من ايار 1973 حدثت امور غيرت مجرى الاحداث، حيث كان تلاميذ المعهد سيرسلون للخدمه العسكرية، وكانت كنيسة مار افرام على وشك الانتهاء، وجاءتني فرصة ربانية لمواصلة دراسة اخرى في فرنسا، بموافقة المطران وبعد قبول المرحوم الاب حبي بالتزام كنيسة مار افرام.
س: اذن ننتقل الى محطة جديدة ومرحلة اخرى: باريس والتي ما زلت تخدم فيها نائبا بطريركيا.
ج: غادرت الموصل يوم 6 ايلول 1973 ووصلت باريس يوم 23 من الشهر عينه، مرورا بروما وميلانو لغرض الدراسة. في غضون شهر ايار اكد لي الاباء الدومنيكان من ان معهد ماريوحنا الحبيب سوف يغلق نهائيا، فمكثت على اثر ذلك بموافقة الرؤساء، ووضعت امامي تقوية في التراث الكلداني في ما يسمى المدرسة العملية للدراسات العليا في السوربون.
سنة 1976 حصلت على دبلوم عال في الكتاب المقدس بعد حصولي على دبلوم العبرية الكتابية واليونانية والكتابية الارامية. سنة 1979 واحتياطا لحصولي شهادة مقبولة من الدولة لغرض تاسيس كلية دينية في العراق، سجلت دكتوراه في جامعة ستراسبورغ ونشرتها في المعهد الشرقي بعنوان الاوخارستيا عند افرام النصيبيني سنة 1984.
عينت كاهنا في باريس على طلب مثلث الرحمات مار بولس الثاني شيخو في 30 حزيران 1987، وكانت الجماعة نحو 250 عائلة يقطن معظمها في ضواحي باريس، شمال وشمال الشرق، وكانت خبرة رائعة ازاء ايمان وتكاتف هذه الجماعة، ولدى تعييني اقترح ان تبنى كنيسة للكلدان وقبلت، وانا باق عند راهبات في مدينة كراندبوغ. انشات كنيسة بعد بيع البيت القديم وبالتعاون مع الجماعة، وكانت سيدة كلدو، التي تكرست في 7 حزيران 1992 على يد مثلث الرحمات مار روفائيل الاول بيداويد، وبحضور رئيس اساقفة باريس الكاردينال جان ماري لوستجير.
سنة 2004 اشرفت على بناء كنيسة اخرى هي كنيسة مار توما في ساغسيل.
س: رغم ما تخلله حديثنا عن الدراسة والشهادات، لكن اخبرنا عن المزيد من الجانب الفكري في النشر والتدريس.
ج: بدات النشر في الفكر المسيحي، بين النهرين.. على شكل مقالات وترجمات، ومختصر لمقالات بالانكليزية. ثم سنة 1976 بدات انشر عن مار افرام والطقس الكلداني بالفرنسية والايطالية والالمانية.
ولدى استعدادي للعودة الى العراق سنة 1981 لزيارة الاهل والاصدقاء بموافقة مطران الابرشية، طلبني المعهد الشرقي للتدريس في روما، وبدات ادرس منذ 1981 والى يومنا هذا (27 سنة)، وخلالها نشرت مقالات، واشرفت على اطروحات عديدة (25 في المعهد الشرقي) و(5 في المعهد الكاثوليكي).
سنة 1992 طلب المعهد الكاثوليكي في باريس ان ادرس فيه، وقبلت بعد امر كاردينال باريس، حتى سنة 2000 وفتح افق جديد للتدريس وادارة الاطروحات.
درست صيف 1984-1985 في المعهد الحبري للتعليم المسيحي في ابرشية نيويورك، وسنة 1986 درست في المعهد الحبري الشرقي في كوتايام- ملبار(كيرالا).