السحر والخرافة والغيب والتنجيم

مقدمة

الخرافة والسحر والغيب والتنجيم، ظواهر او ممارسات متنوعة كانت وما تزال موجودة لدى الناس في كل الازمان والامصار، ورغم التقدم الحاصل في المجتمع الانساني والطفرات الهائلة التي توصل اليها انسان اليوم على مختلف الاصعدة؛ اعني العلمية والتكنولوجية والالكترونية وغيرها، الا ان كثيرين –ومنهم بعض المؤمنين-مازالوا يلجؤون الى طقوس خرافية وممارسات سحرية وافعال غيبية بعيدة عن المنطق والعقل ولا تمت الى الواقع باي صلة، لماذا؟ ما هي هذه الظواهر والممارسات؟ وماذا تعلمنا الكنيسة ازاءها؟

الخرافة

الخرافة هي انحراف العاطفة الدينية والممارسات التي تفرضها. وقد تصيب ايضا العبادة التي نؤديها للاله الحقيقي مثلا عندما نعلق اهمية تكاد تكون سحرية على بعض الممارسات التي هي، من جهة اخرى، شرعية او ضرورية. فنحن نقع في الخرافة عندما نعلق الفاعلية على الوجه المادي في الصلاة او في العلامات الاسرارية، دون الاستعدادات الداخلية التي تقتضيها.[1]

 ان لفظة “الخرافة” تعني ايمانا خاطئا وفاسدا، ولكنها ايضا تعني موقف ايمان غير صحيح. الخرافة تفترض صورة سحرية للعالم، ووجود سلطات وقوى لا تفسٌر، يحاول الانسان التاثير عليها او استمالتها بممارسات سحرية. الموقف الخرافي يتميز بعدم ثقة بمحبة الله وبصلاحه وبان الخلاص يجب انتظاره من الله وحده. ومن ثم فالخرافة تعوق العلاقة الشخصية بالله، فيلتجىء الانسان الى عالم من الظواهر.[2]

التنجيم والابراج

علم التنجيم هو المبدا الذي يقبل بعلاقة وطيدة ومحددة بين حركة النجوم في تاريخ الميلاد او البرج او غير ذلك، لشخص معين، ويكشف مستقبل ومراحل حياة ذلك الشخص. في الحقيقة ان علم التنجيم خرافة تقود الى تسليم الذات بطواعية الى ما هو غير عقلاني.[3]

السحر

السحر هو محاولة الانسان للسيطرة ولاخضاع القوى الغيبية للطبيعة وحتى المناقضة للطبيعة، من خلال اساليب غامضة وطقوس وشعائر اخرى. بعبارة اخرى، السحر هو محاولة التاثير على الانسان، اما بواسطة قوى سرية او باللجوء الى قوى شيطانية، وذلك في خط يرمي الى استقلال العالم عن الله.[4]

حسب المفهوم المسيحي، فان الخرافة والسحر يشوهان العلاقة بالله. فالتعلق بالله بيسوع المسيح في الروح القدس يتنافى مبدئيا مع كل رغبة واهية تحدو الانسان على البحث في اي مكان عن امن ملموس وضمانات حسية. كل اشكال الخرافة والسحر تناقض عظمة الله واسمه القدوس.[5]

كشف المستقبل وقراءة الطالع

هناك ممارسات او افعال اخرى عديدة لكشف الطالع او التنبؤ بالمستقبل لها علاقة بالقوى الغيبية، من خلال الورق او فنجان القهوة او الابراج او تفسير الاحلام اوقراءة الكف (بشكل اقل) وغيرها، اذا لجا اليها الانسان سبيلا الى قضاء الوقت او التسلية فلا ضير منها، وان كان غير محبذ اللجوء اليها. اما اذا اخذت على محمل الجد، واصبح الانسان يعتمد عليها، وبدات تاثر عليه، وتبعده عن الثقة بالله، فذلك ما يصب في باب الخرافة بل والخطيئة.[6]

السحر في الكتاب المقدس

لقد ثبت وجود السحر في كل الامصار، حتى في اسرائيل. ويشير الكتاب المقدس بعهديه الى عدد منها مثل؛ حادث امراة دور عين، العرافة، التي تستحضر روح صموئيل، ليعلن لشاؤول عن موته بماساة (1صموئيل28: 3-25)، وايزابيل وحيلها السحرية (2ملوك9: 22). والى ممارسات الملكين احاز (16: 3) ومنسى الخرافية (21: 6) التي يحاربها يوشيا (23: 24). على ان الحوادث تذكر في العادة بهدف اظهار تفوق يهوه او، فيما بعد، الرب يسوع، على القوى الغامضة التي يحاول السحر والعرافة تحريكها.

وفي العديد من الروايات تخذل القدرة الالهية السحرة وتحيرهم؛ فمثلا ينتصر يوسف على العرافين (تكوين41)، وموسى على سحرة مصر (خروج: فصل 7 و8 و9). وسمعان الساحر يلجا بتواضع الى بطرس (اعمال8: 9-24)، وبولس يخرس بريشوع عليه (13: 6-11). ذلك ان المعجزات والنبوات تؤدي الى الاستغناء عن الممارسات السحرية، لانها تجعل الله حاضرا حضورا اكيدا، بينما الذين ياتون بالاعاجيب الكاذبة يحرفون التعليم. ولذا يحارب الانبياء بشدة سحرة الامم.

ان اغراء السحر الكبير، وقد شاء يسوع، على نحو ما، ان يجرب به، فيدعوه ابليس الى استخدام قدرته الالهية في اشباع جوعه وادهاش اليهود. الا ان يسوع يرفض ان ياخذ عنه السلطان على العالم: “للرب الهك تسجد، واياه وحده تعبد” (متى4: 1-11).[7]

تعليم الكنيسة

يستطيع الله ان يكشف المستقبل لانبيائه او لغيرهم من القديسين. الا ان الموقف المسيحي الصحيح يقوم على تسليم الذات بثقة بين يدي العناية الالهية في ما يتعلق بالمستقبل، وترك كل فضول فاسد من هذا القبيل. وعدم التبصر قد يكون عدما للمسؤولية.

 يجب نبذ جميع اشكال العرافة: اللجوء الى الشيطان او الابالسة، استحضار الاموات او الممارسات الاخرى المفترض خطا انها “تكشف” عن المستقبل. استشارة مستطلعي الابراج والمنجمين وقارئي الكف، وشارحي الفال او الشؤم او الحظ، وظاهرات الرائين واللجوء الى الوسطاء، امور تخبىء ارادة التسلط على الوقت، وعلى التاريخ واخيرا على البشر، وفي الوقت عينه الرغبة في استرضاء القوى الخفية. انها على تناقض مع ما لله وحده علينا من واجب الاكرام والاحترام الممزوج بالخشية المحبة.

 جميع ممارسات السحر او العرافة التي يزعمون بها ترويض القوى الخفية لجعلها في خدمة الانسان، والحصول على سلطة فائقة الطبيعة على القريب-حتى وان قصد بها توفير الصحة له-انما هي مخالفة جسيمة لفضيلة الدين. ويكون الحكم اقسى على هذه الممارسات عندما تصحبها نية ايذاء الاخرين، او تلجا الى مداخلات شيطانية. وحمل التعاويذ هو ايضا ملام. ومناجاة الارواح تنطوي مرارا على ممارسات عرافة او سحر. ولذا تنبه الكنيسة المؤمنين الى تجنبها. واللجوء الى انواع الطب المدعوة تقليدية لا يسوغ استدعاء القوى الشريرة ولا استثمار ما عند الاخرين من سرعة تصديق.

خاتمة    

يحاول الانسان ازاء عالم يسحقه، وكائنات تخيفه، او يرغب هو في السيطرة عليها، ان يكتسب قدرة تفوق قواه الخاصة، فتجعله سيد الالوهية، وبالتالي سيد مصيره. ولئن كانت الانماط والاساليب قد تغيرت اليوم، الا ان الميل للسيطرة والرغبة في اخضاع المجهول لا يزالان متاصلين في قلب الانسان، ويفضيان الى ممارسات متشابهة. ان الانسان وقد خلق حرا وقادرا على ان يختار الله، يستمد من الله نفسه السيادة على العالم، ومن ثم فهو ليس بحاجة الى الالتجاء الى السحر.ِ

[1] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه 1999، 2111.

[2] المسيحية في اخلاقياتها. سلسلة الفكر المسيحي بين الامس واليوم-19، ترجمة المطران كيرلس سليم بسترس، المكتبة البولسية. بيروت 1999، ص188.

[3] مجموعة مؤلفين، دراسات اخلاقية 4- اخلافيات طب الحياة، المكتبة البولسية، جونيه 2006، ص176.

[4] المصدر السابق، ص173.

[5] المسيحية في اخلاقياتها، ص188.

[6] مجموعة مؤلفين، ص 176-179.

[7] معجم اللاهوت الكتابي. دار المشرق، بيروت 1986، ص431-414.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …