الخمور والمخدرات

مقدمة

ثمة أناس يفشلون أو يستسلمون بسهولة أمام ضغوطات الحياة وتحدياتها، فيلجؤون الى المهدئات والمخدرات والكحول، تهربا من الواقع المرير والعيش في عالم من الوهم والخيال. وكلما مر الوقت، كلما تعقد الحل والعلاج للخروج من هذه الأزمة التي تقود إلى تدمير الذات بل والموت. من جانب آخر فان هذه المخدرات باهظة الثمن، وبالتالي فان الحصول عليها لهذه الفئة من الناس، سيدفعهم الى عمل اي شيء؛ كالإجرام والقتل والسرقة لتوفير المال. فما هو رأي الكتاب المقدس وما هو تعليم الكنيسة في هذا الشأن؟

 الخمر في الكتاب المقدس

في الحياة الدنيوية يعتبر الخمر الناتج عن الأرض المقدسة، مع القمح والزيت، جزءا من الغذاء اليومي (تثنية8: 8، 11: 4، 1 أيام 12: 41). وهو يتميز خاصة بكونه “يفرح قلب الإنسان” (مز104: 15، قضاة9: 13). كما ويعد  من الخيرات الثمينة إذ يجعل في الحياة بهجة (سيراخ32: 6، 40: 20). بشرط تناوله في اعتدال وقناعة. وهذا ما يدخل في التوازن الإنساني الذي تمتدحه كتابات الحكمة باستمرار. فمن مسلمات ابن سيراخ ان “الخمر حياة للإنسان إذ اعتدلت في شربها” (سيراخ31: 32).[1]

يرمز “الخمر الجديد” إلى أزمنة المسيا. حيث يصرح يسوع بان العهد الجديد المؤسس في شخصه، خمر جديد يشق الزقاق القديمة (مر2: 22). وتظهر نفس الفكرة في رواية يوحنا لحدث عرس قانا: فان خمر العرس، هو الخمر الطيب المنتظر “حتى ألان” هو هبة محبة المسيح، وعلامة الفرح الذي يحققه مجيء المسيح (يو2: 10، راجع 4: 23، 5: 25). ونجد أيضا “الخمر الجديد” في معرض إعطاء فكرة عن الوليمة في آخر الأزمنة التي يخص بها يسوع المؤمنين في ملكوت أبيه. لذا فاستخدام الخمر بالنسبة للمسيحي ليس فقط داعيا لرفع الشكر (كولس3: 17، راجع2: 20-22)، وإنما هو فرصة تذكره بهذه الذبيحة التي هي ينبوع الخلاص والفرح الأبدي (1كور25: 26).[2]

الخمر بركة من الله وعلامة للفرح وعلاج للجروح

كانت الخمر  ضرورة من ضرورات الحياة في العهد القديم، بل جزءا لازما في ابسط الواجبات. على سبيل المثال: “تعالوا إلى المياه يا جميع العطاش، تعالوا يا من لا فضة لهم وكلوا، اطلبوا خمرا ولبنا بغير ثمن” (اشعيا55: 1)، وكانت الخمر تعتبر مؤونة أساسية في الحصون: “وعزز الحصون وجعل فيها قادة ومخازن طعام وزيت وخمر” (2 اخبار11: 11). وكانت علاجا: “لا تكن في ما بعد شراب ماء بل استعمل خمرا قليلا من اجل معدتك وإسقامك الكثيرة” (1طيمو5: 23). وكانت تستخدم لتطهير الجروح: “فدنا منه وسكب زيتا وخمرا على جراحه وضمدها. ثم حمله على دابته وجاء به إلى فندق واعتنى بأمره” (لو10: 34). كانت تشربها كل الطبقات ومن جميع الأعمار حتى صغار الأولاد: “فما أطيبها وما أوفاها تكون لهم، بحنطتها ينمو الفتيان وبخمرها العذارى” (زك9: 17)، وكانت الخمر سلعة أساسية مثل الحنطة “يعطيك الله من ندى السماء ومن خصوبة الأرض فيضا من الحنطة والخمر” (تك27: 28). وكان العجز في محصول الخمر يعتبر نكبة: “تزرعون ولا تحصدون، تدوسون الزيتون ولكنكم بزيت لا تدهنون، وتعصرون العنب خمرا ولكنكم لا تشربون” (ميخا6:5). كما كانت وفرة الخمر تعتبر دليلا على بركة الله: “واعيد شعبي اسرائيل من السبي فيبنون المدن المخربة ويقيمون بها، ويغرسون كروما ويشربون من خمرها (عاموس9: 14).[3]           

    

والإسراف فيها مجون

 ينقل لنا الكتاب المقدس أقوالا كثيرة تنهى عن السكر بالخمر: “الخمر مجون والسكر عربدة، ومن يهيم بهما فلا حكمة له” (أمثال 20: 1). وحين أساء الشعب استخدام الخمر وأسرف في تعاطيها، وبخه الله: ” الخمر الجديدة والمعتقة تعطلان الفهم” (هو4: 11). ويشير رسول الأمم أيضا إلى النهي عن السكر: “ولا السارقون ولا الفجار ولا السكيرون ولا الشتامون ولا السالبون يرثون ملكوت الله” (1كور6: 10).[4] بينما يؤكد في مكان آخر، إن السكر يؤدي إلى التهتك ويؤذي حياة الروح عند المسيحي (افسس5: 8).[5]

موقف الكتاب المقدس والكنيسة من الخمر

 الكتاب المقدس لا يحرم تناول الخمر، ولكنه يحرم السكر بالخمر. إما موقف الكنيسة فهو عدم الإسراف في شرب الخمور، لان الإسراف في شرب الخمور له عواقب وخيمة.[6]

تعاطي المخدرات والتجارة بها

 لا يخفى على احد إن المخدرات هي ظاهرة خطرة جدا، ولهذا فان تعاطيها أو الاتجار بها هو ممنوع في الأغلبية الساحقة من بلدان العالم، وذلك لما لها من تأثير سلبي سيء على الإنسان وصحته وسلوكه، بل وعلى عائلته ومجتمعه. أيا كانت الأسباب والدوافع وراء اللجوء إلى الإدمان، فان النتيجة وما ستؤول إليها النهاية، هي الموت لا محال.

من هنا، فان الكنيسة، لا فقط تدين الإدمان والاتجار بالمخدرات، لكنها أيضا تنبه وتوعي الأسر والمجتمع ككل من خطر الانزلاق في هذا المنحدر المميت، فهي ترى ان تبعات الإدمان لا تقتصر على متعاطيها وحسب، بل تؤثر على أسرته ومجتمعه.  

 وترى الكنيسة، ان المشكلة الأساسية في زراعة المخدرات وإنتاجها والاتجار بها، تعود إلى الفارق الكبير بين الدول الغنية والفقيرة، ومحاولة هذه الأخيرة اللحاق بالأولى، أو على الأقل تحسين حالها بعيدا عن الفقر والعوز. وعليه، فان الكنيسة تحاول دائما لفت أنظار الدول الغنية إلى شقيقاتها الفقيرة والمسحوقة، لتقليص هذا الفارق.

تعليم الكنيسة الكاثوليكية

 في معرض الحديث عن احترام الصحة، يشير تعليم الكنيسة[7] إلى نقطتين هامتين بخصوص الكحول والسكر وتعاطي المخدرات: في الأولى يلمح إلى خطورة سوء استعمال الأمور والإفراط فيها، حيث يقول: فضيلة القناعة تهيئ لتجنب كل أنواع الإفراط، وسوء استعمال الطعام، والكحول، والتبغ والأدوية. ان الذين في حالة السكر، أو لرغبتهم المفرطة في السرعة، يجعلون سلامة الآخرين، وسلامتهم هم، في خطر على الطرقات، أو في البحر أو في الجو، يرتكبون ذنبا جسيما”.

وفي الثانية يشير إلى ما سيؤول إليه الحال من خراب في الصحة نتيجة لتناول المخدرات، موضحا: “استعمال المخدرات ينزل بالصحة والحياة البشرية خرابا جسيما جدا. وهو ذنب خطير ما لم يكن موصوفا كعلاج فحسب. وإنتاج المخدرات خفية، والمتاجرة بها، هما من الممارسات الشائنة، إنهما تواطؤ مباشر على ممارسات تتعارض تعارضا جسيما والشريعة الأخلاقية، إذ تحضان على تلك الممارسات”.[8]

الوقاية والعلاج

معلوم ان من يقع تحت تاثير المخدرات او الكحول، يعيش في عالم من الاوهام. ونتائج ذلك مدمرة؛ حيث يصير اسير المسكنات والمخدرات، فمن الناحية العقلية لا يعود المتعاطي سيد نفسه وسيد قواه العقلية، ومن الناحية الاجتماعية تنحسر علاقاته حتى يصبح وحيدا، ويتهادى شيئا فشيئا الى ان يصل الى تدمير ذاته.

 ان الوقاية من هذا الخطر يعود اولا الى الاسرة وما لها من دور كبير في المحافظة على ابنائها، وتوفير جو ملائم داخل البيت ومنح الاولاد الوقت الكافي للاهتمام بهم ورعايتهم. كما ان المدرسة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الجانب انطلاقا من مهمتها التربوية، من خلال توعية الطلاب من مخاطر الادمان وتبعاته المدمرة والمميتة. اما الدولة فعلى عاتقها يقع الدور الاكبر من خلال إجراءاتها العقابية والجزائية تجاه كل من يقوم بانتاجها ونقلها وتوزيعها وبيعها وشرائها، ولكن قبل ذلك لابد للدولة ان تحاول ازالة اسباب الادمان. من جانبها لاتنسى الكنيسة دورها فتسعى الى معالجة مشكلة الادمان عبر نشاطاتها ليس فقط توجيها وارشادا وتوعية، لكن ايضا من خلال الايمان بيسوع الذي يمنح الرجاء الذي يحرر من الخوف والياس والفشل.[9]     

[1] معجم اللاهوت الكتابي، دار المشرق، طبعة ثانية، بيروت 1988، ص330.

[2] المصدر السابق. ص332.

[3] مجموعة مؤلفين. دراسات اخلاقية 4- اخلافيات طب الحياة. المكتبة البولسية. جونيه 2006 ص165-166.

[4] المصدر السابق. ص166.

[5] معجم اللاهوت الكتابي. ص331.

[6] مجموعة مؤلفين. ص166.

[7] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه 1999.  

[8] المصدر السابق، 2291.

[9] المسيحية في أخلاقياتها. سلسلة الفكر المسيحي بين الامس واليوم-19، ترجمة المطران كيرلس سليم بسترس، المكتبة البولسية، جونيه 1999، ص266-267.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …