الاخصاب الاصطناعي

البداية

كانت ليزلي وزوجها جون يحاولان لمدة تسع سنوات انجاب طفل، لكن كل محاولاتهما باءت بالفشل، لان قناتي فالوب كانتا مسدودتين لدى ليزلي، وسمعا باعمال طبيبين في جامعة كامبريدج، الفيزيولوجي روبرت ادواردز، والطبيب النسائي باتريك ستيبتو اللذين كانا يحاولان منذ عشر سنوات تقريبا تطوير تقنية التلقيح الصناعي.

وجمع الباحثان في انبوب بويضات ليزلي وحيوانات منوية من جون وحصلا على جنين زرع في رحم الام لتنجب بذلك عام 1978 اول “طفل انابيب” وهي فتاة تدعى لويز.

مع ولادة هذه الطفلة الانكليزية لويز براون عام 1978، بدات مرحلة جديدة في الطب هي مرحلة “اطفال الانابيب”، وراى العالم في ذلك بابا مفتوحا للقضاء على مشكلة العقم.

كيف تتم عملية طفل الانابيب؟

صرنا نسمع اليوم عن ولادات من خلال عمليات اطفال الانابيب. فالاسر التي تعاني من العقم، تلجا غالبا الى الاطباء والاخصائيين من اجل الحصول على طفل.

عملية طقل الانابيب هي عملية اخصاب تتم خارج الجسم، حيث يتم تحريض الاباضة للحصول على اكبر عدد من البويضات (حوالي العشرين بويضة)، بحيث يتم سحب البويضات من جسم المراة بواسطة الالتراساوند المهبلي قبل انبثاقها بساعتين، ومن ثم وضعها مع الحيوانات المنوية في صحن خاص داخل حاضنة تتوفر فيها الشروط المتوفرة في قناتي فالوب كافة، ويبقى الصحن في الحاضنة لفترة 48 ساعة، وهي الفترة اللازمة لحدوث الحمل اي التلقيح الطبيعي. تبقى البويضات الملقحة تحت المراقبة في الحاضنة الى ان تتم عملية الانقسام في البويضات، بحيث يصبح العدد بين 2-8. عندئذ يتم زرع الاجنة في الرحم حيث تنمو بصورة طبيعية في رحم الام.[1]

تتم هذه العملية عادة في حالة العقم لدى الزوجة، والناتجة عن انسداد قناة فالوب، او عند فقدان الزوجة قناتي فالوب بفعل عملية سابقة كالحمل بالمواسير، او حالات التصاقات حول قناتي فالوب. كما تتم في حالات العقم عند الزوج بسبب ضعف الحيوانات المنوية. اخيرا تجرى هذه العملية في حالات العقم لدى الزوج والزوجة غير معروفة الاسباب، او وجود اجسام مضادة.[2]

تتم تقنية او عملية طفل الانابيب عن طريق الاخصاب الاصطناعي المختلف او المتجانس:

1-الاخصاب الاصطناعي المختلف: هو عملية تهدف الى الحصول بطريقة اصطناعية على حبل بشري، انطلاقا من مشائج يهبها انسان غير الزوجين المتحدين برباط الزواج. ان الحصول على ولد من غير الزوج لا يمكن تبريره باي شكل من الاشكال، لانه يتعارض مع مبدا احترام وحدة الزواج والامانة الزوجية. فاللجوء الى مشائج شخص ثالث للتصرف بها يشكل خرقا واضحا لالتزام الزوجين المتبادل، وانتقاصا خطيرا في وحدة الرباط الذي يجمع الزوجين في حياة مشتركة. فلا يجوز ادبيا اخصاب امراة بواسطة زرع غير زرع زوجها، او اخصاب بويضة ليست من الزوجة بواسطة زرع زوجها. ناهيك عن الاثار السلبية على الطفل المولود، بان يولد من ابوين غير ابويه الاصليين او من ام ليست امه الحقيقية.[3]

2-الاخصاب الاصطناعي المتجانس:وهو يشمل الاعمال التقنية التي تهدف الى الحصول على حبل بشري انطلاقا من مشائج الزوجين المتحدين برباط الزواج، وهي تتم على طريقتين:

أ-الاخصاب المتجانس في الانبوب ونقل الجنين: وهي عملية تهدف الى الحصول على حبل بشري بالتقاء مشائج الزوجين في الانبوب. يتم اللجوء الى هذه العملية عندما يصعب تخصيب البويضة داخل رحم الزوجة لاسباب طبية كالتهابات في عنق الرحم او غيره، فيتم اخذ الحيوانات المنوية من الزوج والبويضة من الزوجة، ويتم تلقيحهما في انبوب، ثم تعاد البويضة الملقحة الى رحم الزوجة. والكنيسة ترفض هذا الامر وتعتبره غير جائز اخلاقيا.

ب-الزرع الاصطناعي المتجانس: وهو عملية تهدف الى الحصول حبل بشري بنقل مني الزوج الماخوذ سابقا الى اعضاء الزوجة التناسلية. وهذه الطريقة تسهل دخول المني الى داخل القناة ليتم الاخصاب داخل الرحم، فهي مسموحة اخلاقيا، وما عدا ذلك فهي محرمة كنسيا.[4]

لماذا ترفض الكنيسة الاخصاب الاصطناعي المتجانس في انبوب بالرغم من ان المشائج من نفس الزوجين؟

  • لان الغاية لا تبرر الوسيلة. فعملية الاخصاب هذه ونقل الاجنة ينجم عنها قتل العديد من الاجنة الحية، وهذا بطبيعة الحال يناقض تعليم الكنيسة في موضوع الاجهاض.
  • لان هذه العملية تتم خارج جسد الزوجين اي في المختبر، ويعزز تسلط التقنية على اصل الشخص البشري ومصيره. وهذا التسلط يناقض الكرامة والمساواة المشتركة بين الوالدين والاولاد.
  • لان النتيجة النهائية للحمل في الانبوب هي نتيجة العمل التقني الذي يتحكم بالاخصاب، الذي ليس هو، ولا يقصد به، التعبير عن الاتحاد الزوجي الخاص وكثمرة له، اذ يجب ان يشارك الزوجان الله في منح الحياة لشخص جديد اخر.
  • لان عملية الاخصاب المتجانس في الانبوب ونقل الجنين، ولو كانت منزهة عن اي تواطؤ مع الاجهاض وقتل الاجنة او الاستمناء، هي تقنية محرمة ادبيا لانها تحرم الانجاب من كرامته الخاصة الملازمة له.

يبقى، ان الكنيسة في النهاية رغم معارضتها لهذه الطريقة التي يحصل بها الحمل البشري من خلال الاخصاب في انبوب ونقل الجنين، هو ان كل طفل يولد، يجب استقباله بمثابة هبة حية من كرم الله وتربيته بكل مودة. لا يجوز احتقاره لكونه فقط مولودا بهذه الطريقة، فهو خليقة الله وصورته ومثاله، وله حقوقه وعليه واجباته انطلاقا من كونه كائنا بشريا كاملا.[5]

تعليم الكنيسة الكاثوليكية

يعتبر الكتاب المقدس، الاسر الكبيرة الاولاد، دليلا على بركة الله وسخاء الوالدين. في مقابل ذلك فان الكنيسة تشعر بعذاب الازواج الذين يكتشفون انهم عقيمون، وعليه تشجع الابحاث الرامية الى تقليص العقم البشري، بشرط ان تجعل في خدمة الشخص البشري، وحقوقه، التي لا يمكن التنازل عنها، وخيره الحقيقي والكامل، وفاقا لقصد الله ومشيئته.

ولكن، من جهة ثانية، فان الكنيسة ترى ان التقنيات التي تسبب تفريق التقاربات، بتدخل شخص غريب عن الزوجين (اعطاء الزرع، او البيضة، اعارة الرحم) هي قبيحة جدا. وتعتبر الكنيسة هذه التقنيات (الزرع والاخصاب الصناعيان، من غير حق الزوجين) تسيء الى حق الولد بان يولد من اب وام يعرفهما ويجمع بينهما الزواج. انها خيانة للحق المحصور في ان لا يصير اب او ام الا واحدهما بالاخر.

من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية فان ممارسة هذه التقنيات بين الزوجين (الزرع والاخصاب الصناعيان بين الزوجين)، يمكن ان تكون اقل ضررا، ولكنها تبقى غير مقبولة اخلاقيا. لانها تفصل الفعل الجنسي عن فعل الانجاب. والفعل الذي يؤسس وجود الولد لا يعود فعلا يعطي فيه شخصان احدهما للاخر، انه يضع حياة الجنين وهويته بين يدي الاطباء وعلماء الحياة، ويوجد سيادة التقنية على اصل الشخص البشري ومصيره.

واستنادا الى الانجيل المقدس، يمكننا ان نفهم ان العقم الطبيعي ليس شرا مطلقا. وعلى الازواج الذين بعد استنفادهم كل لجوء مشروع الى الطب، يعانون من العقم، ان يشتركوا في صليب الرب، ينبوع كل خصب روحي. وبامكانهم ان يثبتوا سخاءهم بتبنيهم اولادا مهملين، او بقيامهم بخدمات متطلبة تجاه الاخرين.[6]

الالم الناجم عن العقم الزوجي وجواب الكنيسة

من الطبيعي ان يرغب الزوجان في الحصول على ولد. وهذه الرغبة انما هي تعبير عن الدعوة الى الابوة والامومة المغروزة في الحب الزوجي.

بالتاكيد، فان الطفل ليس حقا لوالديه ولا يمكن اعتباره مادة للتملك. بل هو هبة وعطية عظمى، ثمرة الزواج المجانية، وشاهد حي لعطاء الزوجين المتبادل. الا ان العقم، مهما كانت اسبابه وتشخيصاته، امتحان قاس جدا. وان الازواج الذين يعانون هذه المواقف المؤلمة مدعوون الى اعتبارها فرصة للاشتراك في صليب الرب، ينبوع كل خصب روحي. وعليهم ان لا ينسوا، كما يقول البابا يوحنا بولس الثاني: “ان اذا تعذر الانجاب قلا تفقد الحياة الزوجية قيمتها. فقد يكون الهقم الجسدي سانحة للزوجين لتقديم خدمات اخرى هامة لحياة البشر، كالتبني مثلا او اشكال مختلفة من الاعمال التربوية او مساعدة عائلات اخرى واولاد فقراء او معاقين”.[7]

يحاول الباحثون في هذا المجال اكتشاف اسباب العقم ومحاربته، وقد رعى بعضهم كرامة الانجاب البشري رعاية تامة، توصلوا الى نتائج بدت قبلا مستحيلة. فلا بد من تشجيع رجال العلم اذا على متابعة ابحاثهم ليتمكنوا من تلافي اسباب العقم وشفائه، فيستطيع حينئذ الازواج العقم من الانجاب في احترام كرامتهم الشخصية وكرامة الطفل المنتظر.[8]

تشدد الكنيسة على عملية الجماع بين الزوجين كشرط اساسي للحصول على البنين

ان كل طقل في العائلة هو هبة وعطية من الله للزوجين، وهو ثمرة الزواج، ثمرة الحب المتبادل وعلامة الحب والامانة المتبادلين. فمن خلال الانجاب يشارك الزوجان لله في قدرته على الخلق “انموا واكثروا واملاوا الارض” (تكوين 1: 19). ولهذا الانجاب ميزات خاصة تستوجبها كرامة الوالدين والاولاد الشخصية. يقول البابا يوحنا بولس الثاني في ارشاده الرسولي “في وظائف العائلة المسيحية”، ان امانة الزوجين في وحدة الزواج تشترط احترام الحق المتبادل لكل منهما في ان يصبحا الواحد بالاخر فقط والدا ووالدة. كما ان هنالك ما تقتضيه كرامة البنين، فالولد له الحق الكامل والشرعي بان يحبل به ويولد ويربى ضمن الزواج. فهو صورة حبهما الحية وعلامة اتحادهما الزوجي الدائمة، وخلاصة حية ابدية للبعد الابوي والامومي.[9]

هل تجوز الامومة بالنيابة؟

الامومة بالنيابة، تعني: المراة التي تحمل جنينا مزروعا في رحمها ولا يخصها، اذ هو نتيجة التقاء مشائج وهبها اشخاص اخرون، مع الالتزام باعادة الطفل، بعد ان يولد، الى الشخص الذي طلب عملية الحمل هذه واشترطها.

وتعني ايضا: المراة التي تحمل جنينا ساهمت في انجابه ببويضتها التي اخصبت، عن طريق الزرع الاصطناعي، بمني شخص اخر غير زوجها، مع الالتزام باعادة الطفل، بعد ان يولد، الى الشخص الذي طلب عملية الحمل هذه واشترطها.

عليه فان الامومة بالنيابة لا تجوز. فالامومة بالنيابة تناهض في الواقع وحدة الزواج وكرامة الانجاب البشري. ان الامومة بالنيابة انما هي خرق لالتزامات الحب الامومي والامانة الزوجية والابوة المسؤولة. وهي تسيء الى كرامة الولد والى حقه في ان يحبل به ويحمل ويولد ويربيه والداه. وهي تنشيء انقساما على حساب العائلة بين عناصرها الجسدية والنفسية والادبية.[10]

 

[1] مجموعة مؤلفين، اخلاقيات طب الحياة، دراسات اخلاقية -4، المكتبة البولسية، جونيه 2006 ص98-99.

[2] المصدر السابق، ص99.

[3] مجمع العقيدة والايمان، الحياة هبة الله، ارشاد رسولي في احترام الحياة البشرية الناشئة وفي شرف الانجاب، جل الديب 1987، ص32-33.

[4] المصدر السابق، 32-46، مجموعة مؤلفين، 100-101.

[5] المصدر السابق، ص43-44، مجموعة مؤلفين، ص101-102.

[6] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه 1999، ص669-672.

[7] ارشاد رسولي “في وظائف العائلة المسيحية” 14، اعمال الكرسي الرسولي 74 (1982) 97.

[8] مجمع العقيدة والايمان، الحياة هبة الله، ارشاد رسولي في احترام الحياة البشرية الناشئة وفي شرف الانجاب، جل الديب 1987، ص48-50.

[9] ارشاد رسولي، ص96.

[10] المصدر السابق، ص36.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …