تحديد النسل ام تنظيم النسل؟

مقدمة

هل يتوجب علي ان انجب طفلا كلما اجتمعت بزوجتي على فراش الزوجية؟ سالني شاب في محاضرة عن تحديات العائلة الراهنة، اثناء الحديث عن الاجهاض، وموقف الكنيسة الكاثوليكية ازاء ذلك. ومن خلال هذا السؤال والاسئلة الاخرى المتعاقبة، وحتى ما يتداول في الاحاديث الجانبية التي تخص اخلاقيات الحياة، يظهر جليا عدم المام الناس بمواقف الكنيسة وتعليمها فيما يخص هذه القضايا الملحة اليوم والخطرة احيانا، فنجد تلهف كثيرين وسعيهم اللاهث بحثا عن حلول لمعاناتهم دون التقصي عنها وتبعاتها ودون معرفة راي الكنيسة فيها او حتى طلب الاستشارة فيها. معلوم ان تعاليم الكنيسة الرسمية، رغم كل التطور الحاصل في العلوم الطبية والبيولوجية، بقيت ثابتة لم تتغير، لا بل اضحت اكثر تشددا واصرارا. لماذا؟ ما هي مبرراتها؟ هنا نتطرق الى موضوع اخلاقي هام، هو نقل الحياة، او النسل، وكيفية التعامل مع هكذا موضوع؟ وايهما اصح ان نقول تحديد النسل ام تنظيمه؟ ما هي الطرق او الوسائل الطبيعية لتنظيم النسل؟ ما هو موقف الكنيسة الاخلاقي في هذا الاتجاه؟

خصب الزواج  والابوة والامومة

يضطلع الزوجان بمسؤولية كبيرة، بعد ان عاهدا الواحد الاخر، على الحب والعطاء الواحد للاخر، فيثمر هذا الحب عن عطية نقل الحياة، ليلد حياة جديدة. وهكذا يضحي الرجل ابا والمراة اما. ومن خلال هذه الحياة الجديدة (الطفل) الموكل اليهما، يختبران معنى ان يكون المرء شخصا انسانيا. فيستقبلان الطفل ويعتنيان به، ويوفران له الامان والاجواء التي تساعد على نموه، وبهذا يجاوبان على دعوة الخالق وقد اراد ان يشركهما في عمله الخلقي. ويمنح الاولاد حياة الزوجين بعدا جديدا، فتجعل حياتهما فرحا وسرورا اذ يشاهدان اطفالهما وهم ينمون شيئا فشيئا ويتعلمان الكلام واشياء اخرى يوما اثر اخر، في جو ملؤه المحبة والدفء، وبهذا يترجمان محبة الله وقصده ليس في نقل الحياة وحسب، انما في استعدادهما لتحمل تبعات ذلك ايضا، وما يقتضيه من ممارسة الرجل ابوته والمراة امومتها بطريقة مسؤولة.[1]

ان الابوة والامومة المسؤولة تعنيان، في المسيحية، ان العيلة هي مكان نقل الحياة. وتعني ايضا، ان الازواج على استعداد لان يسهموا بنفس قوية في محبة الخالق والمخلص، من خلال محبة احدهما للاخر ورغبتهما بالحصول على اولاد يكونون شهودا لهذا الحب. وتعني اخيرا، ان يضطلع الازواج بمهمتهم بروح المسؤولية الانسانية والمسيحية، تجاه الاولاد وتجاه المجتمع وتجاه الكنيسة ايضا. من هنا فان قرار الحصول على عدد محدد من الاولاد ينبغي ان لا يؤخذ بشكل اعتباطي، ولا ان يتم بانانية، بل بتسليم امرهم الى العناية الالهية واتماما لجزء من حقوق العائلة في نقل الحياة وتربية البنين.[2]

تحديد النسل ام تنظيم النسل؟

ايهما اصح ان نقول: “تنظيم النسل؟ ام “تحديد النسل”. يجب ان نميز بينهما، فالتحديد هو رفض النسل كليا، بينما التنظيم فهو عدم اللجوء الى الحمل في فترة معينة، ويكون التنظيم لفترة يختارها الزوجان معا.

يتم تحديد النسل باللجوء الى احدى العمليات الجراحية التي توقف احتمال الحمل لدى المراة بشكل قاطع، الى حين اللجوء الى عملية اخرى تعيد الامور الى مجراها الطبيعي. وهذا امر غير جائز اخلاقيا لانه يخالف الضمير الانساني، كما يخالف اسس الزواج التي تتمثل في الانجاب وتربية البنين.

بينما يتم تنظيم النسل باتباع بعض الطرق الطبيعية او الاصطناعية التي تؤدي الى تاجيل او توقف احتمال الحمل لمدة معينة، تطول او تقصر حسب استعمال هذه الطرق والمواظبة عليها.[3]        

        

تعليم الكنيسة حول استخدام وسائل كيميائية واصطناعية لتنظيم النسل

دائما ما تنطلق الكنيسة الكاثوليكية من مبدا كرامة الانسان الالهية كقاعدة اساسية لتعاليمها الاخلاقية، مستندة الى تعاليم الرب يسوع التي اغدقها على العالم. ولكونها تسعى الى رفعة الانسان، فانها تندد بشكل جلي بكل ما يرتكب من جرائم وانتهاكات تحت اي مسمى كان، ضد الحياة وشرعيتها الكاملة.

وفيما يخص الوسائل الكيميائية والاصطناعية والميكانيكية المستخدمة في تنظيم النسل، فان موقف الكنيسة صريح وواضح اذ لا يسمح باستخدامها، لانها تعيق سير العمليات الطبيعية، وتجعل الفعل الزوجي عقيما في حد ذاته. يؤكد البابا بولس السادس في رسالته تنظيم النسل (16): “يجب ان نحرم التعقيم المباشر للرجل او للمراة على السواء، واننا نشجب كل عمل من شانه ان يجعل الولادة امرا مستحيلا، سواء كان ذلك استعدادا للعمل الزوجي او في اثنائه او تطور نتيجة الطبيعة”.[4]          

تاتي معارضة الكنيسة لهذه الوسائل، بسبب عدم احترامها لقدسية الزواج وغايته، في الحب والانجاب ومن هنا يشدد تعليم الكنيسة فيقول: “على كل فعل زوجي ان يبقى من ذاته منفتحا على نقل الحياة. هذه العقيدة التي عرضتها مرارا السلطة التعليمية في الكنيسة، مؤسسة على الرباط غير القابل الحل الذي اراده الله، والذي لا يستطيع الانسان قطعه بمبادرة منه، بين معنيي الفعل الزوجي: الاتحاد والانجاب”.[5]

معلوم ان كل العقاقير الاصطناعية تحدث تاثيرات غير طبيعية في الجسم، سواء على الطفل او الام. وقد يكون لبعض هذه العقاقير تاثيرات اجهاضية. ولهذا ترفض الكنيسة كل الطرق والوسائل الاصطناعية والكيميائية والميكانيكية، وتشجع الازواج على اتباع الطرق الطبيعية.[6]

الطرق الطبيعية لتنظيم النسل[7]

ان الطرق الطبيعية لتنظيم النسل، هي عبارة عن مجموعة الوسائل او الطرق التي تعتمد على ملاحظة دورة الطمث (الحيض). فخلال الدورة العادية تكون المراة خصبة لعدد معين من الايام، ويكون جسمها قادرا على استقبال حياة جديدة، ويمكن ملاحظة:

  • طريقة الاباضة والعادة الشهرية: وتدعى طريقة اوجينيو الحسابية. ترتكز هذه الطريقة على الامتناع عن العلاقات الزوجية في الايام العشرة الوسطى من الدورة الشهرية.
  • ارتفاع درجة الحرارة الجسم: حيث ترتفع لبضعة اعشار من الدرجة الطبيعية، ولهذا يجب على المراة ان تقوم بقياس درجة الحرارة يوميا، قبل نزولها من السرير، وتدوينها في جدول خاص، وعند ارتفاعها بشكل ملحوظ، يجب تجنب العلاقات الزوجية.
  • طريقة الرضاعة الطبيعية: من المعروف طبيا وواقعيا ان فترة الرضاعة الطبيعية لدى اغلبية النساء هي فترة عقيمة، حيث لا يكون هناك اباضة لدى المراة.
  • طريقة بيلنغز الطبيعية: وتعتمد على مراقبة المادة المخاطية اللزجة التي تظهر عند عنق الرحم قبل عملية الاباضة بايام قليلة، وتختفي بعدها بعدة ايام قليلة. وهذه المادة تعتبر علامة من علامات الخصوبة. عليه يفترض تجنب اقامة علاقات جنسية في هذه الفترة اذا كان هناك رغبة في تنظيم النسل؟

هل يجوز استخدام منشطات لتقوية العملية الجنسية؟

تسمح الكنيسة الكاثوليكية باستخدام الادوية التي من شانها ان تساعد الزوجين على اتمام حياتهم الزوجية على اكمل وجه، على ان يكون ذلك الحل الوحيد، وان يكون بوصفة طبية. عدا ذلك، ان كان الهدف هو فقط للاثارة الجنسية او بحثا عن مزيد من اللذة والشهوانية، فان الكنيسة لا تسمح به مطلق، ويعتبر امرا مرفوضا اخلاقيا، لانه يحول العلاقة الزوجية الى علاقة شهوانية.[8]

خاتمة

كثيرون سيقولون، ما اصعب هذا، وما اصعب تعاليم الكنيسة في الحقل الاخلاقي. ولعل كثيرين يودون الاستفادة من التطورات المتسارعة الحاصلة في حقل طب الحياة، ولكن المبدا الجوهري يبقى هو هو: ان المقياس او الثابت الحقيقي لقاعدة الاخلاق هو قيمة الانسان وكرامته. صحيح ان تطور العلوم والابحاث قد تصب وخير الانسان، ولكن التمادي والتفرد في ذلك دون اعتبار او اصغاء لاراء الدين والفلسفة والاخلاق، سيقود بالتاكيد الى دوس كرامة الانسان، محولة اياه الى الة او ماكنة ليس الا.

[1] المسيحية في اخلاقياتها، سلسلة الفكر المسيحي بين الامس واليوم-19، المكتبة البولسية، جونيه 1999، ص348-349.

[2] المصدر السابق، ص348-351.

[3] مجموعة مؤلفين، اخلاقيات طب الحياة، دراسات اخلاقية-4، المكتبة البولسية، جونيه 2006، ص79.

[4] المصدر السابق، ص 84.

[5] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه 1999، رقم 2236.

[6] مجموعة مؤلفين، ص85.

[7] المصدر السابق، ص86-87.

[8] المصدر السابق، ص91.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …