قصة استشهاد الاخوة السبعة
المعروفة بالشهيدة شموني وابنائها
مقدمة
قصة اخرى من سلسلة قصص الاضطهادات، وردت في سفر المكابيين[1]، تتحدث عن بسالة ام، اذ ترى بأم اعينها ابناءها السبعة وهم يعدمون الواحد تلو الاخر… لتلحق بهم اخيرا الى دار الخلد. شهداء سطروا اروع ملحمة ايمانية، دماؤهم سالت فامتدت، لتصل وتنضم الى قوافل شهداء العهد الجديد. اباء الكنيسة لاحقا، راوا فيهم مسيحيين قبل ان يحملوا ذلك الاسم، فخصوهم بكثير من عظاتهم.
بعد الكلام عن القدوة الحسنة لمعلم الشريعة، اي بعد رواية استشهاد لعازر[2] الشيخ، احد وجهاء الكتبة، الذي رفض اكل لحم الخنزير، حفاظا على سنن الشريعة، ووفاء لشيخوخته الجليلة، تاتي رواية استشهاد الاخوة السبعة، او الشهيدة شموني-كما يسميها التقليد- مع ابنائها السبعة. تحتل هذه الشهيدة مكانة مهمة بين القديسن، حيث تاتي في المرتبة الثالثة من حيث اكرام المؤمنين لها، ومن حيث انتشار المزارات والكنائس المشيدة على اسمها، بعد العذراء مريم والشهيد مار كوركيس.
اما تذكارها في الطقس الكلداني، فيقع في الثلاثاء الاول من شهر ايار… تخليدا لشهادتها واستشهاد ابنائها، وهم يتمسكون بايمانهم من دون خوف او تردد ازاء العذاب والموت.
القصة بايجاز
وقبض ايضا على سبعة اخوة مع امهم، فكان الملك يريد ان يكرههم على تناول لحم الخنزير المحرم، فيعذبهم بالسياط واطناب الثيران.
وجعل احدهم نفسه لسان حالهم فقال: “ماذا تبتغي ان تسالنا وان تعرف عنا؟ اننا مستعدون لان نموت ولا نخالف شرائع ابائنا”.
فحنق الملك وامر باحماء المقالي والقدور، ولما احميت، امر لساعته بان يقطع لسان الذي جعل نفسه لسان حالهم، وان يسلخ جلد راسه، وتبتر اطرافه على مراى من اخوته وامه.
وبعد مفارقة الحياة، سيق الثاني بعده الى التعذيب، اثر رفضه هو ايضا اكل لحم الخنزي، وهكذا دواليك.. حتى السابع الذي حاول الملك اغراءه وتحريضه على ترك سنن ابائه، واعدا اياه بتقليده المناصب والغنى، بل اخذ يحث امه، ان تشير عليه بالعدول، بما يؤول الى خلاصه. لكنها سخرت منه وبدات تثير حمية ابنها وتلهب حماسته، لكي لا يفتر امام الموت، ويكون جديرا باخوته، فتلقاه معه بالرحمة. وهكذا جاءت عذابات هذا الاخير اكثر قساوة وشراسة، بسبب استهزائه بالملك واهانته اياه.
اما امهم فكانت جديرة بالاعجاب، لانها عاينت مقتل بنيها السبعة في يوم واحد، وكانت تحثهم بلغة ابائها، وتشجعهم وتستهين بالعذابات في سبيل شرائع الرب، واخيرا ماتت هي الاخرى لتلحق ببنيها، وكان صبرها على ذلك هو رجاؤها بالرب.
تحليل عناصر القصة
- انطيوخوس الرابع ابيفانس (175-164 ق.م): هو الاخ الاصغر لسلوقس الرابع وابن انطيوخس الثالث… كان مولعا بالثقافة اليونانية. اراد انطيوخس توحيد امبراطوريته، لذك فرض على اليهود ممارسات وثنية. فابطل بذلك الميثاق الذي منحه انطيوخس الثالث لليهود في عام 198 ق.م. والذي اعترف فيه بان شريعة موسى هي نظامهم الشرعي. وهذا سرى وقت ملوك فارس. فامست الامانة للشريعة تمردا، ومن هنا نشا الاضطهاد[3].
- تاريخية الحدث: حدث القصة او جوهرها تاريخي، “غير ان كثيرين في اسرائيل صمدوا وصمموا في انفسهم على ان لاياكلوا نجسا، وارتضوا الموت لئلا يتنجسوا بالاطعمة ولا يدنسوا العهد المقدس فماتوا”[4]. اما موضوع القصة عموما، فينتمي الى التقليد الشعبي، مع احتوائها على رموز كتابية: كالعدد 7.
- المكان: ليس ثمة ذكر للمكان، ولا لاسماء الابناء. قد يكون المكان: اليهودية (عكا القديمة) حسب (2 مك 6: 8-11). لكن التقليد الانطاكي يحدد مكان العذاب في انطاكية، معتمدا في هذا على الكتاب المقدس نفسه، فبسبب وجود ابيفانس في انطاكية في ايام الاضطهاد الديني في اليهودية، استنتجوا ان الشهداء نقلوا الى انطاكية[5].
- الاضطهاد الهائل: في عام 198 ق.م اثر هزيمة الجيش المصري من الافيال السورية، عند ينابيع نهر الاردن، يبدا عصر الشهداء في اسرائيل، ذلك بان اسرائيل اصبحت تحت امرة السلوقيين، وهم رفضوا وضع اسرائيل الخاص، وفرضوا عليه الثقافة والدين الهلينستي. وفي عام 186 ق.م شن عليه انطيوخس الرابع، اضطهادا هائلا واقام في الهيكل مذبحا لزفس[6].
الكاتب
كتب سفر المكابيين الثاني قبل الاول، اي حوالي السنة 124 ق.م او بعدها. وهذا السفر هو ملخص لكتاب اخر يقع في خمسة مجلدات، وضعه ياسزن بعد وفاة يهوذا المكابي بقليل[7].
ياسون القريني، كاتب من شتات القيروان، مطاع على احوال اورشليم، وهو يهوديمؤمن برغم ثقافته الهلينستية[8].
ان الكاتبين غير معروفين، ويصعب التمييز بين اسلوبيهما[9]. الا ان الكتاب ككل، او احداث السفر، تؤدي وترمز الى هدف معين، يتمثل بمرجعية الامور والاحداث الى الله ومشيئته.
وفي صدد مسالة الخلق فان الكاتب يضع على لسان ام الشهداء السبعة القول ان الله فاطر السماء والارض وكل ما فيهما من العدم[10] وهو بذلك يعود ويؤكد ما جاء في سفر التكوين 1/1.
مخطط القصة
لقصص الاضطهادات المخطط عينه والاسلوب نفسه[11].
فالملك الشرير، يشن الاضطهاد، ويلحق العذابات البشعة بالشهداء، والاخيرون يقفون بشموخ واباء متمسكين بشريعتهم الالهية، لايهابون الموت الذي ينتظرهم، وتوضع على السنتهم حوارات قوية تنبض بالحب للاله الواحد، وتستهين بكل ما سواه، وتسترخص كل شيء من اجله. اما الشجاعة التي بها يقدمون على الموت، فتاتيهم من الرجاء بالذي هو اصل كل شيء، ومبعث كل شيء.
ان سفر المكابيين الثاني، يكشف لنا، من خلال قصص دينية-تقوية، عقلية المتمسكين بالشريعة الموسوية الالهية، وتشبثهم التام بالله، وهذا التمسك قد ادى بهم، الى الاستشهاد.
قصتنا، على هذا المنوال، تهدف الى ان الايمان بالقيامة والخلود، هو ما يدفع المؤمن الى تحمل الاضطهادات وتجاوزها، وصولا الى النهاية. النهاية-البداية، لطالما كانت شرفا عظيما، ودخولا الى حياة اسمى.
خاتمة
ان الكتاب المقدس هو من الكتابات القديمة، ويمكن فهم الكتابات القديمة وسبر اغوارها، اذا عدنا الى موضوع الشهادة والشهداء، وادركنا كنهه، بمعنى ان هذا الموضوع، الذي يحتل حيزا كبيرا واهتماما لدى المؤمنين والكنيسة، ينقل لنا قصصا دينية، تقوية وزشعبية خاضعة للتساؤل والتحليل والنقد العلمي.
هذه القصص في مجملها، فن من الفنون الادبية، تبنى على اسس، وتعتمد لتسبك حولها احداثا مثيرة، مشوقة. والمحصلة هي الدروس المستقاة والعبر المستنبطة لحياة اليوم.
شهداؤنا الابطال، شهداء الحق والحياة، ابلوا البلاء الحسن، فاصبحوا رموزا شامخة، واشارات مضيئة في دروب التاريخ الممتد من الماضي الى المستقبل عبر الحاضر، والمسير هي هي عبر الزمن.
[1] 2 مك 7: 1-13.
[2] 2 مك 6: 18-31.
[3] 1 مك 1: 44 (هامش 13).
[4] 1 مك 1: 62-63.
[5] مدخل الى سفري المكابيين، ص952.
[6] الاب اسطيفان شربنتيه، تعرف الى الكتاب المقدس، سلسلة دراسات كتابية، ط3، بيروت 1992.
[7] الاب اسطيفان شربنتيه، دليلك الى قراءة الكتاب المقدس، بيروت 1982، ص 88.
[8] الكتاب المقدس، مدخل الى المكابيين ص 950.
[9] المصدر السابق.
[10] 2 مك 7: 28.
[11] الاب يوسف حبي، كنيسة المشرق ج1، بغداد 1989، ص 376.