الاب ازاد شابا
نشرت في مجلة نجم المشرق العدد 68 السنة السابعة عشرة (4) 2011
تمهيد
في هذا الزمن، زمن التحولات، زمن انحدار المجتمع نحو التخلخل العائلي ورفض المورث والعرف الاصيل، زمن الثورة على الدين والانتفاضة على العلاقات الاجتماعية، زمن دوس القيم والفضائل للوصول الى المارب والغايات باسهل الطرق تحقيقا للمصالح العابرة الزائلة. نقف اليوم امام المحك وازاء خيارين: اما ان ننزلق مع الموج فننتهي الى الفراغ والضياع والموت. او ان نعود الى الخيار الصحيح؛ الى معرفة حقيقتنا وندرك غاية وجودنا، ونسعى الى الكمال بتبني القيم والفضائل الاساسية التي تقودنا نحو عالم اكثر انسانية، نحو عالم الله.
والمسيحي كونه مدعوا الى ان يكون متيقظا ومستعدا لاستقبال يسوع في حياته، فان من واجبه ان يطور العادات الحسنة لديه، ويسلك حياة اخلاقية صالحة، ” كل ما هو حق وكرامة، وعدل ونقاوة، ولطف وشرف، وكل ما هو فضيلة وكل ما يمتدح، كل هذا فليكن محط افكاركم” (فيلبي4: 8).
لا يكفي ان يكون المسيحي مؤمنا، بل عليه ان يتتلمذ للرب يسوع. وما يساعده في ان يكون تلميذا ليسوع هو اعتماده سلوكا طيبا وتعاملا حسنا مع الاخرين، فتصبح هذه بنعمة الرب فضائل متجذرة فيه ومتاصلة في اعماقه، لتساعده في مسيرة حياته. فالفضائل تتيح السهولة في اصدار الاحكام، والوضوح في التعبير عن المشاعر، وسرعة الخاطر في اخذ الخيارات. هكذا فان الفضائل تمد المسيحيين بالمساعدة الضرورية لاتخاذ القرارات الصحيحة ببساطة وعفوية.
ما هي الفضيلة؟
الفضيلة بالنسبة لافلاطون هي: العلم بالخير والعمل به. و لارسطو هي: الاستعداد الطبيعي او المكتسب للقيام بالافعال المطابقة للخير. اما بالنسبة لتوما الاكويني فهو يعلم بان كل قوة من القوى الكامنة في طبيعة الانسان قابلة لاكتساب العادات المتنوعة. وتسمى هذه القوى والطاقات بالملكات، وعندما تتوجه الاخيرة نحو الخير الاخلاقي تعرف بالفضائل، وعندما تتوجه نحو الشر تعرف بالرذائل.
الفضيلة، حسب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، هي استعداد عادي وثابت لفعل الخير. وهي تتيح للشخص ليس فقط ان يفعل افعالا صالحة وانما ان يعطي افضل ما فيه. والشخص الفاضل يسعى بكل قواه الحسية والروحية الى الخير، ويمضي وراءه ويختاره في افعال واقعية. وهدف الحياة الفاضلة كما يؤكد غريغوريوس النيصي (في التطويبات1 )، هو في ان نصير مثل الله.
فالفضائل هي التصورات والمواقف الاساسية القويمة، التي منها تستخلص التصرفات الفردية الموافقة. والانسان الفاضل هو الذي يمارس الخير بحرية. وهي (الفضائل) على انواعها تقرب الانسان الى كمال الله لانها ترسخ في نفس الانسان الصفات الصالحة المماثلة لصلاح الله، “كونوا كاملين كما ان اباكم السماوي هو كامل” (متى5: 12).
انواع الفضائل:
- الفضائل الالهية: الايمان، الرجاء، المحبة
ان وجهة المسيحي القويمة تعبر عنها بنوع خاص المواقف او الفضائل الاساسية، فضائل الايمان والرجاء والمحبة، التي ندعوها ايضا فضائل الهية.
هذه المواقف او الفضائل الاساسية الثلاث تتعلق في العهد الجديد باوضاع مختلفة. والمقصود بالايمان والرجاء والمحبة، انما هو انفتاح الانسان على الله، وتدعى هذه الفضائل الهية (teologal)، لانها متعلقة مباشرة بالله. وهي توهب لنا عندما يقبلنا الله ابناء له في المعمودية. وتسم كل ما نفعله او نمتنع عنه، لان تعلقنا بالله يجب ان يسم بطابعه حياتنا كلها. ومن ثم فهي تنعكس في ما يدعى بالفضائل الادبية، التي بها نسلك السلوك القويم في علاقاتنا مع الناس وفي مهام حياتنا. مثل تلك الفضائل الادبية لا تاتي من تلقاء ذاتها؛ علينا ان نجتهد للحصول عليها بمؤازرة نعمة الله؛ لذلك تدعى مكتسبة.
بالايمان نعتقد وجود الله، وكل ما اوحى به الينا، وتعرضه علينا الكنيسه لنعتقده. بالرجاء نبتغي من الله وننتظر بثقة راسخة الحياة الابدية والنعم لاستحقاقها. وبالمحبة نود الله فوق كل شيء، والقريب كنفسنا لاجل الله. انها رباط الكمال وصورة الفضائل كلها.
- الفضائل الادبية الرئيسة: الفطنة، العدل، القوة، القناعة
انها اربع فضائل لها دور محوري (cardinal)، فتدعى لذلك “رئيسة”، وتتجمع حولها سائر الفضائل وتؤدي هذه الفضائل في التقليد دورا خاصا. فمنذ العهد القديم يرد ذكرها في سفر الحكمة “اذا كان احد يحب البر، فالفضائل هي ثمار اتعابه، لانه يعلم القناعة والفطنة والعدل والقوة” (حكمة 8: 7). والفضائل الادبية يكتسبها الانسان، انها ثمار الافعال الصالحة اخلاقيا وبذارها، وهي تهيئ جميع قوى الكائن البشري للمشاركة في الحب الالهي. فالفطنة تهيئ العقل لتمييز خيرنا الحقيقي في كل ظرف، ولاختيار الوسائل القويمة لاتمامه. والعدل قوامه ارادة ثابتة وراسخة لاعطاء الله والقريب ما يحق لهما. والقوة تؤمن في المصاعب الثبات والصمود في السعي الى الخير. اما القناعة فتكبح جماح شهوة الملذات الحسية وتمنح الاتزان في استعمال الخيور المخلوقة. هذه الفضائل الاربع تخص كل انسان، بمعنى اخر؛ يمكن ان تخص اي انسان صالح، حتى وان كان غير مؤمن او ملحدا.
ان هذه الفضائل مجتمعة، تخص كل مسيحي. فالفضائل التي نمارسها على الارض هي في حالة سير نحو الابدية. وهي تتطور وتكبر وتتوق الى الرؤيا الطوباوية. وعلى كل واحد ان يلتمس دائما نعمة النور والقوة، وان يمارس الاسرار، ويعيش تحت انوار الروح القدس. ومن جهة اخرى تتيح هذه الفضائل لكل انسان ان ينظم حياته، فيميز المواقف الايجابية من السلبية، ويميز الافضل من السيء، لا الشر من الخير وحسب، والحق الاصيل من المزيف والسطحي، رغم انه ليس امرا سهلا.
بامكاننا اضافة مواقف او فضائل اخرى مكملة للفضائل الرئيسة؛ كالانفتاح والامانة والاحترام والتسامح والتضامن والشجاعة والتواضع واللطف…والتي من خلالها ينبغي ان تنمو حضارة يسميها البابا بولس السادس؛ حضارة المحبة، والتي تساعد البشرية في ان تصبح واحدا.
المصادر
- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه، لبنان 1999.
- المسيحية في اخلاقياتها، ترجمة المطران كيرلس سليم بسترس، المكتبة البولسية، بيروت 1999.
- كارلو ماريا مرتيني اليسوعي، الفضائل، ترجمة الاب سليم دكاش اليسوعي، دار المشرق، بيروت 2011.