اجراها/ الاب ازاد شابا
نشرت في مجلة نجم المشرق العدد 48 السنة الثانية عشرة (4) 2006
نشا في تلكيف وترعرع في كنف كنيستها، فتدرج في الصعود حتى وصل الى قمة السدة البطريركية في بغداد. وبين هذه المدينة وتلك مسافة طويلة ومحطات وذكريات وتواريخ … في هذه المحاورة نعود الى البدء ونسبر اغوار المسيرة الطويلة بغبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي.
س: هل لك ان تعطينا نبذة عن نشاتك وبيئتك العائلية، والذكريات الاولى قبل دخولك الابتدائية؟ واذا ما كان في العائلة اكليروس؟
ج: اسمي كريم، ولدت في تلكيف بتاريخ 27 ايلول 1927، في كنف عائلة فلاحية متوسطة الحال، وبدات اعمل مع والدي واعمامي في الفلاحة وانا في عمر التاسعة، كانت عائلة دلي مشهورة (بالدنك)[1] كان لنا اثنين.
امي كترينة الشماس بطرس، كانت امراة تقية جدا، توفيت يوم سبت النور عام 1950 عن عمر يناهز 35 عاما اثر مرض الم بها طويلا، اذكر انها كانت تاخذني مرة او اكثركل اسبوع الى بيت جدي الشماس بطرس القس هرمز جعدان، وكان رجلا فقيرا، فكان يقرا لها التامل، من الكتاب المقدس، كنت ارافقها وامسك بازارها وعمري سبع سنوات. وكان لجدها الخوري هرمز جعدان ستة اولاد، اثنان منهما كهنة رهبان هما الاب بولس جعدان، والاب روفائيل جعدان.
اما والدي جرجيس مراد دلي، فكان رجلا طيبا بمعنى الكلمة. جدتي لابي هي ابنة القس يوحنا يلدو، الذي كان له بنتان، واحدة جدتي والاخرى جدة القس مانويل بوجي.
س: ننتقل الى مرحلة الابتدائية وذكرياتها واجوائها التي ترعرعت فيها؟
ج: دخلت روضة الراهبات الكاترينات، وبقيت عندهم ستة اشهر، ثم انتقلت الى الابتدائية الوحيدة في تلكيف وكانت تدعى (مكتب). بين اخوتي انا البكر، اخي منصور توفي اثر لسعة حية، وهو برفقة جدي في الفلاحة، وتوفيت اختي وهي صغيرة ايضا. واليوم لي اخ وثلاث اخوات على قيد الحياة. كنت اداوم على الذهاب الى الكنيسة وانا صغير نحو 11 عاما، وارى الكهنة الكبار في السن، مثالا صالحا، يداومون على حضور الكنيسة صباح مساء. اذكر من بينهم القس اسطيفان قلابات الكبير معلما في المدرسة الابتدائية والقس ميخائيل ججي كراءا. في هذه الاجواء نشات وترعرعت.
س: كيف نشات دعوتك، ومتى دخلت المعهد الكهنوتي، وماذا تذكر من فترة المعهد: الرؤساء، الزملاء، الاساتذة، الصعوبات في تلك المرحلة والاجواؤ السياسية؟
ج: كانت علاقتنا جيدة مع الكنيسة، وكان الاباء الكهنة يزوروننا من وقت الى اخر، ويشجعوننا على الانخراط في السلك الكهنوتي، وكان عمري 11 سنة يوم فاتحت والدتي برغبتي ان اكون كاهنا مثل الاب اسطيفان، ففرحت والدتي، وهكذا ارسلت الى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل من قبل الخوري افرام اسطيفو مع تلميذ اخر من بيت ال معروف، لم يقبل هو لكبر سنه. اما انا فقبلت في 21 ايلول 1940 وكان رئيس المعهد الكهنوتي، القس (البطريرك) بولس شيخو، وكان عدد الطلاب قليلا، وكان من بين المعلمين القس (المطران) روفائيل ربان والاب حنا فيي الدومنيكي والاب ماسونا الدومنيكي للارشاد الروحي، وبعض المعلمين العلمانيين، من جملتهم سعيد ججاوي مدي مدرسة شمعون الصفا الابتدائية.
سنة 1943 مرضت واضظررت لاجراء عملية، مكثت على اثرها في المستشفى لخمسين يوما، ولعدم شفائي نقلت الى بغداد. ثم عدت الى مسقط راسي بعد العيد الكبير وبرخصة الرؤساء.
كانت حياة المعهد انذاك صعبة ومتقشفة بسب الحرب الكونية الثانية (1940-1945). وعند انتهاء الحرب في شهر ايار، توجهنا صوب كنيسة مسكنتا لنقدم الشكر للرب على نعمة السلام في العالم، وشاركنا فيها غبطة البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني توما برغم تقدمه في السن.
س: متى اوفدت الى روما، ومن كان اساتذتك وزملاؤك في الدراسة، وماذا درست؟
ج: سنة 1946 وبعد ان انهيت سنتين في دراسة الفلسفة ارسلت الى روما مع رفيقي لويس حلاوي الذي لم يواصل الدراسة بسبب مرضه. ونظرا لعدم وجود العلاقات بين العراق وايطاليا، اضطررنا الى السفر الى مرسيليا (فرنسا) لاخذ سمة الدخول الى ايطاليا. وصلنا روما في 12 تشرين الاول وذهبنا الى كلية بروبغندا.
في الكلية كان عددنا قليلا لم يتجاوز 45 طالبا. رئيس الكلية سقف في ما بعد باسم كارلو كفاليرا، كان يدرسنا اللغة اللاتينية. وفي نهاية السنة كان هناك رئيس جديد هو المونسنيور فيليجي جنجي، الذي يهتم تلاميذه في العالم كله لكي يعلن بين الطوباويين والقديسين.
واذكر من بين معلمينا في الفلسفة، كارلو فابرو وفيللينو ومازي … اما في اللاهوت، فمن بين معلمي النظري، الكاردينال بيترو برانتي، ثم انطونيو بيولانتي. في الكتاب المقدس غاروفولو، والاب مرياني والاب دامن المخلصي.
س: حصلت على شهادات عليا، ما هي؟ وما الاطروحات التي قدمتها؟ ومتى واين تمت رسامتك الكهنوتية؟
ج: درست الفلسفة ثلاث سنوات، وحصلت على الليسانس فيها، وكانت اطروحتي عن وجود الله لدى الفيلسوف الفارابي سنة 1949. وحصلت على البكالوريوس والليسانس في اللاهوت، وواصلت دروسي للحصول على الدكتوراه في اللاهوت، وعنوان الاطروحة، (مجالس المطران ايليا برشينايا مع الوزير المغربي سنة 1026)، التي طبعتها الجامعة الاوربانية بالفرنسية سنة 1957. رسمت كاهنا في 21 كانون الاول 1952 في روما.
طلبني البطريرك مار يوسف غنيمة من المجمع بعد ذلك كي اعود، لكن المجمع كان في حاجة الي في تجديد الطقس الملباري، وعينني امين سر اللجنة. في هذه الفترة من 1954-1958 انتهزت الفرصة فدرست الحق القانوني وحصلت على الدكتوراه فيه سنة 1959، في موضوع (المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق).
س: اذن متي كانت عودتك الى العراق؟ وتعيينك معاونا بطريركيا ورسامتك الاسقفية؟
ج: بعد نهاية مهمة اللجنة، كان البطريرك غنيمة قد انتقل الى الديار الابدية، فجاء البطريرك الجديد مار بولس الثاني شيخو الى روما في شهر كانون الاول 1959، فرافقته في ذلك الشهر حتى نهايته، ثم عاد الى بيروت فبغداد. ورجعت انا فيما بعد في 30 كانون الثاني 1960. وبعد استراحة عشرة ايام في مسقط راسي عدت الى البطريركية حيث عينني غبطته معاونا له. وانتخبت اسقفا في 7 كانون الاول 1962، ورسمت في 19 نيسان 1963 في كنيسة مار يوسف.
س: ما هي نشاطاتك في الكنيسة الجامعة، من الاشتراك في المجمع الفاتيكاني الثاني الى وضع الحق القانوني الشرقي وغير ذلك؟
حضرت الدورة الاولى للمجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1963 بصفة خبير، وفي الدورة الثانية كعضو, وعينت في لجنة التحضير للحق القانوني الشرقي في روما. وكمستشار في المجلس الحبري عن وحدة الكنائس والحوار الاسلامي – المسيحي.
س: ماذا عن نشاطك الثقافي والفكري من التاليف والتدريس؟
ج: منذ 1961 وحتى 2001 درست الحق القانوني واللاهوت النظري في المعهد الكهنوتي وفي كلية بابل للفلسفة واللاهوت فيما بعد. وضعت عدة كتب، منها “مجالس ايليا برشينايا مع الوزير المغربي سنة 1026″، “المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق 1994″، “ترجمة كتاب الاباء 1977″، “رسالة المطران ايليا النصيبيني لاهالي بغداد”، اضافة الى مقالات عديدة نشرت في مجلتي “نجم المشرق” و “بين النهرين”.
س: كيف تم انتخابك على راس السدة البطريركية بعد ان كنت قد قدمت استقالتك بحسب القوانين الكنسية؟
ج: بحسب الحق القانوني قدمت استقالتي بسبب بلوغي السن القانوني، وقبلت في السينودس الذي عقد في تشرين الاول 2002. لكن البطريرك برغم الاستقالة، اراد ان اواصل الاهتمام بالمعهد الكهنوتي وبالارساليات الخارجية وادارة الاوقاف البطريركية ومراجعة الدوائر الرسمية … كنت اود لو اقضي بقية حياتي في امريكا، فارسلت كتبي الى هناك، ثم حزمت حقائبي وارسلتها الى عمان، لكي اواصل سفري الى امريكا بعد الانتهاء من اعمال السينودس. لكن الرب شاء غير ذلك. في اليوم الثاني من الانتخابات في روما، انتخبت بطريركا. وقد وضعت بطريركيتي تحت اكناف العذراء.
س: ما الانجازات التي حققتها في فترة بطريركيتك حتى الان؟
ج: على الصعيد الروحي: لقاءات ورياضات روحية على قدر الامكان بسبب الاوضاع الراهنة. وزيارة كل الكنائس في بغداد. وكنت اود لو ازور كل الكهنة واقضي معهم وقتا اطول، والتقي كل الفئات في المجتمع، لكن الاوضاع ايضا تقف حائلا دون ذلك.
على صعيد العلاقات والزيارت: زرت السلطات المدنية في العراق والاردن وفرنسا وايطالياز زرت جالياتنا في امريكا واستراليا وتركيا.
اما على صعيد المشاريع والبناء: فقد باشرنا بناء قرية مار اورها في باطنايا وهي على وشك الانتهاء، وتجديد الدير لجعله مدرسة مهنية. وبنينا مركزا تثقيفيا في كنيسة مار يوسف شفيع العمال. نبني حاليا دارا للمسنين على مساحة 3500م في منطقة البلديات – الحبيبية واعددنا دارا لجعله ميتما للاولاد. شرعنا في بناء مركز تثقيفي في كنيسة مار يوسف البتول. جددنا كنيسة ام الاحزان. حصلنا على ارض مساحتها 1500م وتم تسييجها وتنظيغها وسنبدا ببناء بطريركية عليها. وهناك مشاريع اخرى باشرنا بها في الارساليات الاوربية والاقيانوس.
[1] (الدنك): حجر كبير دائري الشكل، يوضع على قاعدة كبيرة، يستخدم لازالة قشرة الحبوب.