مار ماروثا اسقف ميافرقين، هل هو كاتب ام ناظم اعمال الشهداء؟

الاب ازاد شابا

نشرت في مجلة بين النهرين العدد 113-116 السنة 29/2001

 

مقدمة

عانت المسيحية من الاضطهادات منذ بزوغها، وقد لحقت ربوات وربوات من المسيحيين في الشرق كما في الغرب. وتاريخنا المشرقي ياتي على ذكر المراحل المريرة والحقب العصيبة التي الّمت وعصفت بالكنيسة، فأسالت من دماء ابنائها الزكية انهرا فياضة. وما وصلنا من اعمال وسير هؤلاء الافذاذ لا يشكل سوى النزر اليسير لمسيرة امتدت اجيالا واجيالا، و ذلك بفضل الذين وثقوا او كتبوا او نقلوا تلك الاعمال، لتكون اشعاعاً يسير على هديه كل من يطلع على هذا الارث الثّر الذي يزخر به تاريخ اسلافنا العظماء وهم يقدمون شهادة ولا اروع في التضحية و التجرد ونكران الذات، ثمنا لمسلكهم المسيحي وايمانهم الثابت وحبهم للمسيح الذي احبهم بلا حدود.

وجاءت في الشرق، اعتى وابشع هذه الاضطهادات، على يد شابور الثاني ودامت زهاء 39 عاما بكاملها (340-379) مع ما تخللتها من الفترات الهادئة. الا ان احوال المسيحيين لم تتحسن الا بعد موت شابور، لا سيما ايام سابور الثالث (383-388) وبهرام الرابع (388-399). ومع مجيء القرن الخامس عم السلام واستتب النظام بين المسيحيين على اثر الصلح الذي تم بين الرومان وبين الملك يزجرد الاول (399-420) بمساعي مار ماروثا اسقف ميافرقين[1] حين أعاد الى الكنيسة أمنها، فأستانف المسيحيون اعمالهم واعادوا انتخاب رؤسائهم، وبنوا كنائسهم واقاموا مدارسهم.

وقد اهتم ماروثا، فضلا عن دوره العظيم هذا، بموضوع الشهداء الذين سقطوا في الشرق، فما هو دوره في هذا الجانب؟

 

ماروثا: السفير المصلح

اصله من بيت زبدى او من بلدة مجاورة، عاش في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس، اصبح اسقفا لميافرقين، اضافة الى كونه رجلا عالما وطبيبا ممتازا وضليعا بالاداب الكتابية .

ومما اشتهر به ايضا، هو ان قياصرة الرومان كانوا يرسلونه مرارا الى المدائن لعقد الصلح بين المملكتين الرومانية والفارسية. واولى سفراته، عندما جلس يزجرد على العرش سنة 399. ونجح ماروثا بمعونة هذا الملك في اصلاح امور الكنيسة الشرقية. ورجع ثانية الى ساليق سنة 408، اي السنة التي مات فيها اركاديوس الملك وساعد ماروثا مار اسحق الجاثاليق في عقد مجمع ساليق سنة 410. وبقي في الشرق نحو ثلاث سنين، مستغلا هذه الفرصة للبحث عن اخبار الشهداء الذين استشهدوا في عهد شابور الثاني، فجمع قصصهم، والاناشيد التي نظمت في نضالاتهم وقيلت في مناقبهم، كما جمع ايضا شيئا كثيرا من ذخائرهم، حاملا اياها على عربات فاخرة الى ميافرقين. ثم رجع ثالثة الى المدائن سنة 418 ليرافق يهبلاها الجاثاليق الذي ارسله الملك بالسفارة الى القسطنطينية ..

اما وفاته فكانت في نحو سنة 420، قبيل انعقاد مجمع يهبالاها، وقد اكرمت الكنائس الشرقية والغربية مار ماروثا كثيرا، وجعل له تذكار في كل كنيسة، تقديرا ووفاء للدور العظيم الذي اضطلع به.

 

 

والمتقصي اخبار الشهداء  واعمالهم

تنسب كتابة اعمال الشهداء الى شخصين:

ففيما ينسبها البعض الى ماروثا، ينسبها البعض الاخر الى احي الجاثاليق (410-414). والاخير شيخ وقور من دير قني وهو تلميذ مار عبدا القديس وكان قد جعله رئيسا على ديره، وفوض اليه تدبير التلاميذ .. واذ كان يقوم بمهمة صلح بين يزجرد وابن اخيه بيهور بن شابور وتمكنه من مصالحتهما، إنتهز هذه الفرصة ليسأل عن قبور الشهداء الذين قبلوا الشهادة في ايام شابور الثاني، وبأي سبب قتل كل واحد منهم، فكتب قصصهم ثم عاد الى يزجرد فعّرفه ما وقف عليه. وعمل كتابا اثبت فيه اخبار الشهداء الذين استشهدوا في المشرق وشرح قصة مار عبدا.

اما ماروثا، فهو ليس بالكاتب الاصلي لهذه الاعمال، اذا اخذنا بنظر الاعتبار ما ياتي:

  1. ان ماروثا – كما سبقت الاشارة اليه- هو من المنطقة الغربية وعاش في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس.
  2. لم يات ماروثا الى الشرق الا في عهد الملك يزجرد الاول (399-420).
  3. اذا نظرنا الى الاعمال التي ترد في بدايتها هذه العبارة: “في السنة الفلانية لاضطهادنا” فاننا نتيقن ان هذه الاعمال لا تعود الى ماروثا، فهذه الاضطهادات حدثت في فارس- المنطقة الشرقية.
  4. هناك بعض الاعمال وصلتنا من شهود عيان او المعاصرين للاحداث: “الشهداء … الذين كتبنا شهاداتهم وموتهم … في ايامنا فقد رايناهم. اما الذين سبقونا … فنقلا عن الشيوخ والاساقفة والكهنة … الذين راوهم بعيونهم والذين عاصروهم”.

بناء على ذلك، فان دور ماروثا في هذا المجال يقتصر على الجمع والتنظيم والترتيب لهذه الاعمال: فقد جمع من عظام الشهداء شيئا كثيرا، ونسخ كل كتاب وجده لهم وحمل ذلك معه، فخلف بميافرقين في كرسيه بعضه للتبرك، ومضى بالباقي الى الغرب وفرقه في الكنائس، كما نظم سير الشهداء ووضع لهم الاناشيد التي تشيد ببطولاتهم ازاء العذابات والتنكيل، مخلدا ذكراهم وشهادتهم.

قد يكون ماروثا راى بنفسه بعض الشهداء او عاين جهادهم، لكنه يعيد ذلك الى المؤلفين الموثوق بهم الذين عاينوا جهادهم، او الى افواه الاساقفة الطاعنين في السن والكهنة الصادقين والمؤمنين من المعاينين. يبقى انه هو الذي اعتنى واهتم بجمع معظم سير اجدادنا.

الكاتب الاصلي

لقد كان كاتب اعمال الشهداء الاصلي موجودا في السجن مع الشهداء او يشهد موتهم. فبعض اعمال الشهداء في حدياب وسلوخ كتبت ورتبت باسلوب خاص، لذا قد تكون مكتوبة في سجل رسمي لدى كاتب العدل في المحكمة.

ويلاحظ في بعض الاعمال المتاخرة اسم الكاتب، مثلا: (ابجر الذي كتب اربعة اعمال للشهداء) وهو كشاهد من القرن الخامس. او (باباي الذي كتب اعمال اثنين..) او (عقبشما الذي كتب اعمالا للشهداء) … وفي ختام اعمال عقبشما يتحدث الكاتب الاصلي عن نفسه: (لقد كتبت الاخبار عن الشهداء في بلاد المشرق) ويبدو انه يقصد اخبارا عامة بدون تفاصيل في اعمال الشهداء، وهذا يشكل الاساس لمقدمة اعماله. ويشير في المجموعة الاولى انه كتب بصورة عامة، في حين انه كتب تفصيليا في المجموعة الثانية.

ونجد في نشرة بيجان ميمرين: اولهما، كتب باسلوب شعري، يتحدث ممتدحا الشهداء بصورة عامة. وثانيهما، يتطرق الى الاعمال بالتفصيل، ذاكرا حتى المصادر الاخرى، مثل مداريش الاباء ومدائحهم بالنسبة الى اعمال الشهداء القدامى، او الذين استشهدوا في مناطق بعيدة، والذين سبقوه فكتب اخبارهم نقلا عن الشيوخ وحسب الشهود بالنسبة الى المستشهدين، فكتب عنهم لانه راهم بعيونه، كشاهد عيان.

المصادر:

  • ادي شير، تاريخ كلدو واثور ج2، طبعة ثانية، مشيكان 1993.
  • البير ابونا، تاريخ الكنيسة الشرقية ج1، طبعة ثانية، بغداد 1985.
  • ماري بن سليمان، المجدل، طبعة ثانية، مشيكان 1995.
  • روبنس دوفال، تاريخ الادب السرياني، ترجمة لويس قصاب، بغداد 1992.
  • روفائيل بابو اسحق، تاريخ نصارى العراق، بغداد 1948.

[1] مدينة ميافرقين: كما يدعوها اليونان والعرب، هي ميفرقط، اشهر مدن ديار بكر (تركيا) وسميت بمدينة الشهداء لما حوته من ذخائر القديسين الذين استشهدوا في حكم شابور الثاني كان قد نقلها مار ماروثا اليها.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …