اجراها/ الاب ازاد شابا
نشرت في مجلة نجم المشرق العدد 43 السنة الحادية عشرة (3) 2005
ببساطته المعهودة، استقبلني في بيت الابتداء في الكرادة، وهو يرتدي “دشداشة” صيفية وبيده المعول، علمت انه كان يعمل في حديقة البيت، فطلبت منه اجراء محاورة عن مسيرته الطويلة، والتي جاوزت الاربعين عاما من العطاء لكنيسة العراق، فكان هذا اللقاء الشيق مع الاب لوسيان كوب المخلصي.
س: بطاقتك الشخصية ماذا تقرا؟ وعن مسيرتك في العراق ماذا تقول؟
ج: انا من مواليد 1929، من عائلة مسيحية من فلاندريا في شمال بلجيكا. درست الابتدائية في القرية. ودرست اللحضارة المعاصرة في المتوسطة لسنتين، ثم في المتوسطة الكلاسيكية لست سنوات. دخلت دير الابتداء سنة واحدة. بعدها درست الفلسفة لسنتين، واللاهوت لاربع سنوات، فرسمت كاهنا، لا اذكر، من المحتمل عام 1956. وقضيت سنتين دراسيتين في الجامعة، اضافة الى خدمتي الراعوية.
في 1958 عينت في رسالة لبنان. وهناك درست العربية لسنتين. فارسلت الى بغداد في ايلول سنة 1960. في هذه الاثناء نقل المعهد الكهنوتي الكلداني الى بغداد. فدرست فيه، وتعلمت الطقس الكلداني على يد الاب (البطريرك) عمانوئيل دلي.
بنينا دارا في منطقة اسيا – الدورة، وانتقلنا اليه سنة 1961، حيث لم يكن هناك اناس سوانا والتلاميذ في المعهد الكهنوتي. ثم انشئت كنيسة، فتقاطر بعض الناس الى المنطقة.
كنت ادرس الكتاب المقدس ومواد اخرى مثل الفلسفة احيانا. اما الاب المرحوم براتس، فكان يدرس اللاهوت الادبي، وكان منذ مجيئه عام 1995 يعمل في البطريركية، وخصوصا كان يقوم باعمال بناء الكنائس في بغداد. البطريركية كانت تاخذ الاراضي وتوزعها على المسيحيين القادمين من شمال العراق بسبب احداث الشمال ابان الستينيات.
دخلت الرهبانية الانطونية الهرمزدية مدة ثلاث سنوات، ثم تركت. وسافرت الى بلجيكا للراحة، فمكثت سنتين. درست خلالها لاهوت الكتاب المقدس وحصلت على الليسانس، ثم عدت في عام 1972. فعينت في معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل، درست فيه لسنتين الكتاب المقدس بالفرنسية.
وبعد انتهاء المعهد، عدت الى بغداد. كنت اقدس في كنيسة ام الاحزان / عقد النصارى لسنين. ثم في دير الابتداء الخاص براهبات بنات مريم الكلدانيات / الزعفرانية، ثم في دير الراهبات / حي المسبح وما زلت.
س: ما هو هدف رهبنتكم؟
ج: هدف مؤسس الرهبنة مار الفونس دي ليغوري شفيع المعرفين والمتخصص في اللاهوت الادبي: هو الاهتمام بالمؤنين المتروكين، في القرى والجبال والمدن. رسالتنا موجهة الى الناس المهمشين، دينيا وايمانيا، بالكرازة وليس اقتصاديا.
قبلا كان الاخوة يجالسون الناس ويكرزون بينهم، فيجددون ايمانهم ويشجعونهم على التردد الى الكنيسة، والاعترافات، هذا كان عملهم.
اما الان فنقوم باعمال اخرى، بحسب الظروف. فالظروف اليوم معقدة، لذا لا بد من حلول مختلفة.
س: متى بدات دعوتك الرهبانية؟ وما سر ولعك بالكتاب المقدس؟
ج: لا اتذكر بالضبط، ولكن مذ كان عمري 12 او 13 سنة، اردت ان اصبح راهبا، ولم افكر ان اكون كاهنا.. دعوتي الاساسية هي الرهبنة. وخدمتي هنا مع اخوتي ليست من اجل الكنيسة اللاتينية، بل كنية المشرق ككل.
اما بالنسبة الى الكتاب المقدس، فمذ كنت صغيرا، وحتى قبل التناول الاول، كنت معجبا ومولعا بالكتاب المقدس. ولما دخلت الدير اصبح ولعي اشد. واثناء دراستي اللاهوتية، كان ثمة درس اختياري، فكنت ادخل الدرس العبري، كنت متوجها بهذا الاتجاه. ولذلك عندما طلب مني تدريس الكتاب المقدس، كان ذلك شيئا طبيعيا. وهكذا منذ صغري وانا اسبح في الكتاب المقدس.
س: قلت في حديثك انك انتميت الى الرهبانية الانطونية الهرمزدية، فماذا كانت الفكرة من وراء ذلك؟
ج: المحاولة كانت تلبية لدعوة الكاردينال الاقليمي الى الاهتمام بالكنيسة في المشرق. حاولت اقناع الاخوة في رهبنتنا، عندما اصبحنا اكثر من شخصين: انا والاب فرنسيس والاب منصور والاب دمري، اقول حاولت اقناعهم بعمل رهبنة شرقية وتطويرها. لكن بلا جدوى، فانتميت انا، ودخلت في الرهبانية الانطونية التي كانت في منطقة اسيا في الميكانيك ثم في الدورة. فكثت معهم ثلاث سنين الى سنة 1970.
س: ما هي نشاطاتك واعمالك الان؟
ج: عملي الان الرئيس هو التدريس في كلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت. واعمل ايضا هنا في بيت الابتداء. اضافة الى قداس يومي لاخوات بنات مريم في ديرهن الكائن في حي المسبح، واحيانا في الاحاد والاعياد، والاعترافات برغم ثقل اذني. ومن وقت الى اخر القي محاضرات لكهنة يسوع الملك. وهناك نشاطات اخرى متوقفة حاليا بسبب الظروف الراهنة: محاضرات في الاخويات، تدريس في الدورة اللاهوتية، ندوة كتابية اسبوعية منذ السبعينيات.
س: منذ العام 1960 وانت في العراق، كيف تجد مجتمعنا المسيحي اليوم؟
ج: هناك فرق كبيرمنذ عام 1960 حتى اليوم.
اذكر ان مثلث الرحمة البطريرك مار بولس شيخو، كان بنفسه ينظم الخورنات، ويبني الكنائس، تدريجيا. وكان الاباء اليسوعيون يساعدونه في ذلك الى ان غادروا العراق.
لم يكن انذاك اي تعليم مسيحي، او اخويات، .. رايت تغييرا كبيرا.
العراق متالم جدا من الاوضاع السياسية، منذ زمن. كل هذه الفترة من الدكتاتورية تعوجت الضمائر والاعتبارات. الشعب المسيحي، شعب طيب عموما. والعلاقات الانسانية هنا في العراق جيدة. لكن مع كل هذا الانفتاح والحرية اليوم، سيتاثر العراقيون بالخارج. لكن الروح القدس معنا. ونتمنى ان يكون هناك خدام حقيقيون لشعب الله.
س: هل من كلمة اخيرة؟
ج: كلمتي الاخيرة هي بخصوص الهجرة: ثمة كهنة كلدان واثوريون في الولايات المتحدة واوربا ايضا ولكن بنسبة اقل. ارى ان المسيحيين عموما في المهجر يحافظون على السورث، اي السريانية المحكية، ويبتعدون عن العربية. وارى العكس هنا في بغداد على الاقل. يتمسكون بالعربية ولا يشجعون السورث. اخشى، اخيرا، ان يكون الضغط قويا في الخارج، فالذين يقطنون مشتتين، سيذوبون، سيصبحون كبقية الناس هناك.
الاب ازاد: بهذا التساؤل المفتوح نختم هذا اللقاء معك، ونتمنى لك مديد العمر في درب العطاء والخدمة، وشكرا.