الاب ازاد شابا
نشر في الفكر المسيحي السنة 37 العدد 365-366 ايار-حزيران 2001
كثيرة هي المزارات ضمن حدود قضاء شقلاوا. ومعظمها تقع في حضن جبل سفين، والاخرى تحت ظلاله. ولكن من المؤسف جدا ان لا نعثر اليوم على تاريخ واحد او مصدر يتصدى لهذه المواقع المهمة وللمنطقة تحديدا، برغم اهميتها في التاريخ المسيحي وانتمائها الى ابرشية حدياب العظيمة والمترامية الاطراف، وكثرة الديارات فيها. وحتى المؤرخين الاحدثين والمعاصرين يركنون الى السكوت. اما الموروث الشعبي او التقليد المحلي، فهو ايضا بات لا يحفظ سوى اسماء نكرة عن هذه الاماكن المقدسة ويروي الكثير من القصص والشفاءات والترائيات التي تحصل للمؤمنين على الدوام، منها ربان بويا (او بيا وهو تصغير طوبيا)[1]، ومار ترونيس ومار كوركيس ومارت شموني ومار يوسف، لكننا في هذه الصفحة نسلط الضوء على مزار مغمور اكتشفت اثاره حديثا ولم يات احد على ذكره من ما عدا الموروث الشعبي وهذا يشهد ان ذاكرة الصدر تحوي احيانا من المفاجات اكثر مما يكتشفه العلماء.
مزار مار يعقوب
توجد على الجانب الشرقي من شقلاوا قريتان تحملان اسم اقوبان. الاولى على الطريق المؤدية الى هيران وتسمى اقوبان السفلى. والثانية الى الشمال منها بمسافة قصيرة وتسمى اقوبان العليا، للتمييز بينهما. وكلتاهما تتبعان ناحية هيران (خوشناو) والتي تتبع بدورها قضاء شقلاوا. لا شك ان اسم اقوبان ماخوذ من اسم مار يعقوب، المزار القريب، فكلمة اقوب بالكردية تعني: يعقوب، وقد يكون حرفا الالف والنون، للتثنية، لتكرار الاسم. في القرية الاولى (اقوبان السفلى) ثمة اثار بناء ليست بالقديمة، يعتقد انها كانت كنيسة، وحجر هذا البناء المتداعي، مهندم وصالح للبناء لكن اهل القرية لم يمسوه برغم بناء قريتهم مؤخرا، اما بسبب خوفهم من قدسية الاماكن الدينية او هو جزء من احترامهم وتوقيرهم للقدسيات[2].
اما مزار مار يعقوب فيقع الى الشرق من اقوببان العليا وليس ثمة معلومة ما عن هذا الموقع سوى الاسم وحسب: مار يعقوب، وهذا ما يذكره التقليد المحلي. وهذا الموقع عبارة عن عدة ضرائح، يتوسطها ضريح كبير، تظللها اشجار عملاقة من البلوط، ولعل الحفاظ عليها جزء من خوف الناس من ممتلكات المكان المقدس. وهناك ينبوع ماء صاف يشرب منه، كما ويغتسل فيه المرضى وخاصة الذين يعانون من الام الظهر والمفاصل والروماتيزم. وياتون بتراب خاص منه تبركا، او يغتسلون به في البيت.
يزار هذا الموقع كثيرا وعلى مدار السنة، اما على شكل مجموعات صغيرة من الشبيبة والاخويات وطلبة التعليم المسيحي، او سفرات عائلية، او سفرات خورنية عامة، للزيارة والصلاة والتضرع. وكثيرة هي قصص الاشفية والترائيات التي يرددها الناس عن هذا القديس، وما يزال الكثير من الذين نالوا الشفاء احياء معافين.
هذا وقد قام احد المحسنين مؤخرا عام 1999 ببعض الترميمات في هذا المكان.
اكتشاف اثار مسيحية
بينما كان احد الفلاحين يحرث ارضا قرب المزار، ظهرت امامه قطع اثار عديدة وكان ذلك يوم 10 تشرين الثاني 1999، ومن نظرة سريعة على الموقع، تشاهد اثار جدران واحجار كثيرة مما يدل على ان المكان كان ديرا ، او مدينة صغيرة فيها كنيسة … وقدر عمر هذه الاثار المسيحية بنحو الف او اكثر، اضافة الى الاثار الاخرى… والتي هي الان لدى مديرية اثار اربيل، وتظهر في الصورة كالاتي:
- سراج زيتي من النحاس.
- سراج زيتي من النحاس في نهايته صليب.
- سراج زيتي من النحاس في نهايته صليب مشرقي قديم واضح المعالم.
- قطعة نحاسية ذات اقواس يتوسطها صليب صغير.
- قطع كثيرة من الفخار المختلف.
اضافة الى اثار اخرى كالمسكوكات التي تعود الى العهد الساساني…
لمعرفة الحقيقة، حسبنا امر واحد وهو التحريات والتنقيبات في هذه المواقع والديارات، فان تاريخا مدفونا في غياهب الارض ينتظر من يستكشفه ويظهره الى النور، فتتجلى امامنا عراقة المنطقة وعمقها الحضاري وقدم المسيحية وحقاتها المفقودة.
ولم نعثر على اي ذكر لهذا الدير، لدى الاب حنا فييه، ولا في كتاب الشماس ميخائيل كوسا (تاريخ شقلاوا)، وربما يشكل هذا المقال، المسند بالقطع الاثرية، سبقا صحفيا في هذا المضمار.
[1] يذكر الاب ريتوري في مخطوط له عن سفرته الى جبل شقلاوا وحوض الزاب الصغير، عن وجود عدد كبير من الاديرة والصوامع، والقريبة من عيون الماء. ونقل عنه شفالييه في كتابه الجبليون المسيحيون في منطقة حكاري وكردستان الاوسط، باتريس 1985، قوله ان المسيحيين في المنطقة قاموا باستبدال العبادات الوثنية القديمة التي كانت تكرم قوى الطبيعة، قرب الينابيع، بصورة خاصة، ولكن اعتبارا من القرن الرابع، سكن هذه المغاور، نساك ومتوحدون بعدد كبير جدا واسهموا في تنصير هذا الجبل (259، حاشية 1).
[2] في مناطق عديدة من شمالنا تتناقل الناس قصصا وحكايات تهدد بعقوبات شديدة الوقع على من ينتهك حرمة الاماكن المقدسة، وهناك ادب قديم نقراه في كل مكان منذ قبور الفراعنة وهو موجود ايضا في الكتاب المقدس (راجع رؤيا 22/ 18)، فكان المكان مخيفا مرهوبا وحتى الاشجار الساقطة ما كانوا يجراون على الاصطلاء بها خوفا من نقمة القديس (يشور) وهناك قول ماثور: القديس الذي لا يظهر قوته لا احد يؤمن به.