الاب ازاد شابا
نشر في مجلة الفكر المسيحي السنة 38 العدد 371-372 كانون الثاني-شباط 2002
قرية مسيحية ضمن محافظة حدود محافظة اربيل قرب الحدود التركية، غربي “ديانا” بنحو ساعتين من الزمن بالسيارة. بعد مسافة من قضاء “ميركه سور” على الطريق الرئيس الذي يقود الى مدينة دهوك وقراها، ومنه تنحدر السيارة الى الشمال عبر طريق وعر وغير معبد. واكثر ما يشد الانسان هناك المشاهد الخلابة والطبيعة الرائعة، جبال واودية، انهر واشجار كثيفة، واكثر من ذلك وجود الحيوانات البرية والتي قلما يراها المرء في اماكن اخرى. ذلك لان يد الانسان لم تصلها ولم تعبث بخليقة الله. ومن الاشجار التي تكثر في المنطقة: البلوط والعفص والحبة الخضراء وغيرها. ومن الحيوانات يكثر السنجاب والقبج، ويقول اهالي المنطقة، انهم يرون الدببة والخنازير وحتى النمور.
في طريقنا الى بيديال صادفتنا بعض القرى، منها قرية (بيخشاش) وقرية (بيي)، وبالقرب من هذه الاخيرة ثمة مقبرة كبيرة وقديمة، فيها اثار صلبان كثيرة من الحجر. والمقبرة مسيجة بالاحجار واغصان الاشجار بدون ترتيب، خشية عبث العابثين، فاهل القرية يكنون احتراما للموقع، وهم حريصون على منع تقرب احد اليه، وذلك ما حصل معنا، حيث جاء احدهم يسالنا: من انتم؟ وماذا تفعلون هنا؟ ولماذا تصورون المقبرة؟ معربا لنا عن تقديس الناس للمكان وعدم جواز المرء التعرض له.
نعتقد ان (بيخشاش) ليست الا تحويرا لاسم (بيث بغاش)، الكرسي الاسقفي التابع لابرشية حدياب، مترامية الاطراف، حين كانت تضم (19) كرسيا اسقفيا بعد القرون الاولى للمسيحية. اما اسم قرية (بيي) او بياو فهي (باي) قاعدة بيث بغاش.
وقبل ان نصل الى بيديال “بيديال”، وجدنا قرية اخرى هي (كاني بوت)، والى شرقيها تلة مرتفعة في اعلاها جدران متداعية، يقال انها لكنيسة قديمة.
ومن هناك انحدرنا نحو واد ثم تشلقنا جبلا اخر فظهرت امامنا قرية “بيديال” او “بديل” كما يسميها بعض الغرباء، واندهشنا من موقعها البديع وروعة الكنيسة الجديدة وحداثة تصميمها، والدور السكنية بالوانها الجميلة.
الموقع والتسمية
تقع بيديال، كما يسميها ابناؤها، في حضن جبل شيرين الذي يبلغ ارتفاعه نحو (3849 م). اما اصل اسمها فنعتقد انه بيثا دايل اي بيت الله.
كان اهالي القرية قد نزحوا عنها عام 1987، الى ديانا، ثم تفرقوا الى ايران واربيل وشقلاوا، ومنهم من بقي في ديانا. وشرع بعضهم في العودة الى الى القرية منذ عام 1991، الى ان استقرت فيها خمس عوائل في عام 1994. عندها قامت احدى الجهات الخيرية باعمار القرية، وفتحت شارعا ترابيا، وانشات 13 دارا من الحجر والاسمنت، وما زالت تعمل على انشاء مدرسة صغيرة ودار لسكنى المعلمين.
يسكن بيديال اليوم، 14 عائلة مسيحية، ويمتهنون تربية المواشي. وما يعوز القرية هو الكهرباء. كما ان الماء شحيح، لذلك تجدهم لا يمتهنون الزراعة.
الكنائس
في بيديال اليوم، كنيستان، وكلتاهما على اسم مار كوركيس. الاولى، قديمة جدا، ابعادها 15م في 5م، اما سمك جدرانها فيبلغ مترين وهي مبنية بالحجر والكلس. وفيها باب خلفي واطيء وفناء واسع خلف الكنيسة يضم عددا من القبور. وثمة مقبرة كبيرة وفيها مئات القبور حوالي الكنيسة.
قام اهالي القرية باعادة بناء واعمار الكنيسة عام 1996، ولكن بحجم اصغر، واعادوا بناء السقف الذي كان معقودا في السابق، بالطين والحصير فوق قطع كبيرة من “الشلمان” جلبوها محمولة على الاكتاف من مسافة بعيدة.
اما الكنيسة الثانية، فجديدة زاهية، صممت على هيئة صليب من الاعلى، تعلوها من الامام قبة دائرية وفوقها صليب، ومن الخلف برج كبير يعلوه صليب ايضا. والبناء كله مكسو بمزيج من حجر الحلان والمرمر والقرميد من الخارج والداخل. وقد افتتحت الكنيسة في 6 تشرين الثاني 2000، واسهمت في بنائها شخصية محلية مرموقة. ويقوم اليوم كاهن ديانا وهاوديان، بتقديم الخدمات اللازمة لابناء القرية بين الحين والاخر.
المزارات
يضم جبل شيرين مزارات مسيحية عدة، هي عبارة عن كهوف يؤمها المؤمنون للصلاة والتضرع. اول هذه المزارات التي يراها القادم الى القرية هو مزار مار توما، في شماليها. وثمة عين ماء تعرف ب(اينا دطلانا)، اي ينبوع الظل، بسبب غياب الشمس عنها لفترات طويلة اثناء النهار.
اما المزارات الاخرى فهي: مزار مريم العذراء ومزار مار ساوا ومزار “دخاشو” (خوشابا) ومزار مار اوراها ومزار مار زيا.
ويقام كل عام احتفال بذكرى شفيع قرية بيديال: مار كوركيس في 24 نيسان، يشارك فيه المؤمنون من عدة مناطق وخصوصا من ديانا وهاوديان واربيل وعنكاوا وقرى دهوك.
بيث بغاش في التاريخ (لقلم تحرير المجلة)
يقول الاب حنا فييه، في مقال موسوم: “خلفيات التاريخ المسيحي في منطقة حكاري التركية (مجلة الشرق السرياني بالفرنسية 1964، ص443 -477): “ان منطقة بيث بغاش ابرشية نسطورية (سميت لاحقا شمدينان) كانت في بدايات القرون الوسطى، تحتوي على اقليم حدياب الكنسي (في اشور)، وهذه الابرشية ياتي ذكرها على امتداد قرون عدة من القرن 5 الميلادي الى القرن 13، ويبدو انها اختفت كابرشية في القرن 17، وكان مقرها في منطقة غير معروفة، اسمها باي. وفي القرن 8، بلغت اوج نشاطها وتاهلها السكاني. وهي التي انجبت اشهر البطاركة في كنيسة المشرق، الا وهو طيمثاوس الاول (728-813)، والذي كان فعلا مطراانا لبيث بغاش قبل ان يتسلم سدة بابل البطريركية (القس-البطريرك روفايل بيدلويد: رسائل البطريرك طيمثاوس الاول، دراسة نقدية، الفاتيكان، دراسات ونصوص رقم 187 (1956) ص132. وقد اطلق على هذه الابرشية لاحقا اسم شمدينان وكذلك اسم روستاقا، مختلطا بسهل يقع شمال شرق الموصل (الشيخان حاليا). ويقول ميشيل شفالييه: “ان هذا النوع من الزحف والاستعارة في الاسماء، يبدو مالوفا في تاريخ الكنيسة السريانية” (الجبليون المسيحيون في حكاري وكردستان الاوسط، باريس 1985 حاشية ص230). ويعتقد الاب فييه ان دخول المسيحية في منطقة بيث بغاش، يعود الى اواسط القرن 4م على يد رهبان، جاؤوا من بعيد، مثل القديس اوجين (+ 362) والذي يعتقد انه جاء من مصر مع تلاميذه، فاستقروا في نصيبين، ومنذئذ، انتشرت المسيحية في بلاد ما بين النهرين، واسماؤهم عزيزا، بيشوي، قيوما، ساوا وتوما. وقد حملت مزارات ومعابد واديرة كثيرة اسماءهم في كل منطقة الزاب وبرواري والزيبار واورمار وكذلك ابرشيات داسن، بيث طوري وبيث بغاش” (المصدر السابق ص272).