الاب ازاد شابا
نشر في مجلة الفكر المسيحي السنة 38 العدد 375-376 ايار-حزيران 2002
اربل
مدينة عراقية تاريخية تقع على نحو 385 كم الى الشمال من بغداد وعلى نحو 95 كم من كركوك الى الشمال. وهي مركز محافظة اربل، محصورة بين الزابين الاعلى والاسفل وبين دجلة والحدود العراقية – الايرانية. ورد اسمها بهذه الصيغة، في الكتابات القديمة: السومرية والبابلية والاشورية، وفي المصادر اليونانية القديمة. وكانت تعرف ب (اديابين) وحدياب عند اهل الشام. واطلقت كلمة حدياب في العهد الفرثي (148 ق.م – 226 م) على هذا الاقليم.
اقدم ذكر لها يرجع الى عهد الملك السومري “شولكي” (2000 ق.م) بصيغة “اوربيلم”. وذكرت في الكتابات البابلية والاشورية بصيغة “اربا – ايلو” اي اربعة الهة، وعرفت كمركز لعبادة الالهة عشتار. تعاقب على حكم حدياب الاشوريون والماديون والكيانيون والاغريق والفرثيون والارمن والرومان والساسانيون فالعرب.
واليوم مع اندثار معظم المدن القديمة، ما زالت هناك مواقع قديمة مندرسة على تل اثري يسمى قلعة اربل، ويمثل بقايا ادوار السكنى في المدينة منذ منذ اقدم العصور، وهو بمساحة (60000 م2) ويبلغ ارتفاعة زهاء (35 م). انه نصب خالد لمدينة عريقة، شهدت متغيرات كثيرة عبر عصور موغلة في القدم، وهي اليوم عامرة بالسكان.
دخول المسيحية
عند ظهور المسيحية، كان العالم المعروف مقسوما الى مملكتين: الرومان والفرثيون. كان للرومان معظم بلاد اوربا وشمال افريقيا واسيا الصغرى وسوريا كلها، ومركزها مدينة روما. وضمت مملكة الفرثيين وادي الرافدين واثور وكلدو وماداي وفارس، ومركزها المدائن. واذ تقول تقاليد قديمة، بنشوء كنيسة المشرق على يد مار توما الرسول وتلميذيه ادي وماري، فان بعض العلماء يظن ان التبشير بالمسيحية جاء مباشرة على الجماعة المسيحية – اليهودية القادمة من فلسطين الى حدياب (اربل) او عن طريق كنيسة انطاكيا التي كان لها دور في تاسيس كنيسة المشرق، فعدت بمثابة الكنيسة الام.
اختلف المؤرخون حول زمن انتشار المسيحية في حدياب، لكن ادلة تاريخية كثيرة ولا مجال لبحثها، تؤكد دخول المسيحية الى حدياب قبل نهاية القرن الاول، على يد الرسولين ادي وماري، وسرعان ما انتشرت المسيحية وازدهرت، برغم الاضطهادات، وخصوصا تلك التي شنها الساسانيون، وراح ضحيتها الاف المسيحيين لتمسكهم بايمانهم، ابرزهم: شمشون اسقف اربل، وشربيل وقرداخ وغيرهم.
ابرشية حدياب الكبرى
كانت حدياب تمتد من الزاب الكبير الى الصغير ومن دجلة الى اذربيجان. وبعد انتشار المسيحية اتسعت بحكم العلاقات والمواصلات، فشملت اذربيجان ونينوى، ممتدة من الزاب الصغير الى الخابور وربما حتى نهر الهيزل، وحتى حدود “وان” واطراف اورمية شرقا. وانتظمت ادارة ابرشية حدياب، حين رفع الجاثاليق فافا في عام 310 م، كرسي حدياب الى مستوى ميطرافوليطية تضم 19 كرسيا اسقفيا. ولما ازداد شان الموصل، قسمت حدياب الى ابرشيتين اربل والموصل. ثم اتحدتا تحت تسمية: ابرشية حدياب واثور. واشتهر دور اديرة حدياب، في نشر المسيحية وتوسيع رقعة العلوم في المنطقة وخارجها، وقامت مدارس اسهمت في نشر التمدن وبلغت رقيها في القرنين 6 و 7.
افول نجم حدياب
بدا ذلك مع القرن 13، اثر غزوات المغول. ففي 1235 م، هجموا على اربل وضواحيها وفتكوا بها، وشن الامير المغولي بيتمش عام 1289، اضطهادا على المسيحيين بحجة تعاطفهم مع مسعود الاربيلي والي الموصل، فقتل منهم جمعا كثيرا في الموصل واربل. وشهدت قلعة اربل في هذا القرن والقرن 14 مجازر رهيبة، ابيد فيها المسيحيون عن بكرة ابيهم، واحتلت القلعة. وفي مطلع القرن 15 زحف تيمورلنك بجيشه الجرار نحو اربل والموصل واماكن اخرى، فدمر وسلب وقتل. واستمرت معاناة المنطقة خلال حكم الجلائريين (1337 – 1411 م) وما بعده. لكن المسيحية ظلت في اربل، برغم الفتن وانحطاط العلم والثقافة، ولم تعد بوادر المسيحية فيها الا مع العصور الحديثة.
كنائس اربل الحديثة:
– كنيسة قلب يسوع الاقدس
في عهد البطريرك مار يوحنا هرمز (1830 – 1838)، انيطت ادارة ابرشية اربل بارشية كركوك، واخذ يتوافد عليها بعض اهالي عنكاوا وشقلاوا، فقرر المطران اسطيفان جبري انشاء مصلى لهم في محلة العرب، في اربل القديمة، وحتى عام 1986 لم يكن عددهم يزيد على الالف. كانت هذه الكنيسة عبارة عن غرفة مستطيلة (16.6 X 5.2 م). ثم وسعت بعدئذ والحقت بها غرفة ديوان الكنيسة، على شكل حرف L، فخصص الجناح الجديد للرجال، والقديم للنساء، ويقوم المذبح في الزاوية عند ملتقى الجناحين. ويوجد بقربه حجر كتب عليه: “شيدت هذه الكنيسة في اربل لاكرام قلب يسوع الاقدس في عهد البابا مار بيوس الحادي عشر وفي ايام غبطة البطريرك مار عمانوئيل يوسف الثاني وسيادة المطران مار اسطيفانوس جبري رئيس اساقفة كركوك واربل والسليمانية في سنة 1931”. اما اليوم فلم يبق سوى عوائل تعد على اصابع اليد الواحدة، لكون المنطقة قديمة.
– كنيسة قيد الانشاء
اثناء خدمته، في التسعينيات، استحصل الاب فرنسيس شير، الموافقات الرسمية لتمليك قطعة ارض (3000 م 2) لبناء كنيسة جديدة، في منطقة شورش الحديثة، على طريق شقلاوا الرئيس، لوجود مسيحيين في المنطقة وحواليها. وبدا العمل، واقيمت بعض الجدران، الا ان نقل الكاهن المذكور الى بغداد وعدم وجود دعم للمشروع، حال دون اتمامه فتوقف واهمل. ونظرا لعدم وجود كاهن ثابت وكنيسة ملائمة، اضافة الى الظروف المتقبلة احيانا، اضطر المؤمنون الى هجر المدينة واللجوء الى عنكاوا واماكن اخرى … وتبقى ثمة محاولات جادة من قبل راعي الابرشية سيادة المطران يعقوب شير لاكمال المشروع في هذه المدينة العريقة، تعزيزا للمسيحية فيها واحياء لذكرى شهدائها على مر التاريخ.
– كنيسة مار كوركيس
كنيسة حديثة (15 X 11 م) انشئت عام 1983، في منطقة شورش، حيث يوجد مسيحيون، وهي من الداخل ذات طابع اصالة مشرقية. وشيدت في عام 1988 قاعة مناسبات الى يمين الكنيسة، جاءت متناسقة مع بنيانها. وقبل انشاء الكنيسة كانت المراسيم تقام في صالة بدار المرحوم القس زومايا، قرب مقر المحافظة في المدينة.
– ضريح يزداندوخت الشريفة الاربلية
يقع الضريح في جنوب غربي المدينة، فرب المحطة. ويعرف ب (ست امامي)، وهو تحت مظلة كونكريتية مربعة الشكل مقببة من النصف مستندة الى اربعة اعمدة. ويقرا الزائر على جانبي الضريح كتابة بالعربية: “يزداندوخت الشريفة الاربيلية”. وهي ابنة هزاراباد وجدها ابراسام الاربيلي الذي كان وزيرا للملك اردشير بابك مؤسس الدولة الساسانية 226 م. بعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها (حبانا) الى اربل ومعها مربيتها (باعوث)، وعندما ثار شابور الملك الفارسي (309 – 379 م) ضد المسيحيين، كانت يزداندوخت قد تنصرت على يد مربيتها (باعوث) وذلك اثناء ولاية قرداخ مرزبان اربل (والي اربل من قبل الفرس) وجعلت اقامتها في اربل بعد وفاة عمها. وشيدت ديرا وكنيسة في جنوب غربي المدينة (المكان الحالي: ست امامي)، وتوفيت حوالي عام 370 م. ويزار قبرها من قبل المسلمين والمسيحيين. لكن غالبية المسيحيين اليوم، لم تعد تعرف هذا الموقع ولا صاحبة الضريح، فقلت زيارتهم اليه. ومن الجدير بالذكر ان القس (المطران) سليمان صائغ كتب رائعته عن حياتها في رواية شيقة جدا.