الاب ازاد شابا
نشر في مجلة الفكر المسيحي السنة 38 العدد 379-380 تشرين الثاني-كانون الاول 2002
ارموتا قرية قديمة الى الغرب من كويسنجق نحو 3 كم، يقطنها اليوم 75 عائلة مسيحية، ويعود تاريخها الى ما قبل الاسلام، كبلدة مسيحية عامرة. اما عن معنى اسمها، فثمة رايان، الاول: انها تعني الرمان او بستان الرمان، لكثرة وجود هذه الثمرة. والثاني: اسم سرياني مركب كلمتين: ارعا دموتا، اي ارض الموت. والعنى الثاني هو الارجح، وذلك بسبب كثرة ما اصابها من الاهوال والكوارث المفجعة. في التاريخ نجد ارموتا قد تعرضت للكثير من الهجمات، وكان الثمن دائما باهظا، تدفعه القرية من دماء ابنائها وممتلكاتهم. كما نهبت القرية سنة 1943 واحرقت مكتبة كنيستها، مع التنكيل باهلها في هبة من موجات التعصب الطائفي الاعمى.
ويعتقد ان مسيحيي ارموتا اقدم من مسيحيي كويسنجق. قدم بعضهم من هيران (خوشناو) بالقرب من شقلاوا. لكنهم تفرقوا وتوزعوا في مدن مختلفة: كويسنجق، السليمانية، كركوك، بغداد، كرمليس وعنكاوا وغيرها. ويذكر ان البطريرك الكلداني يوحنا هرمزد، كان قد عانى في تعامله مع ابناء القرية في سنة 1779، في مرحلة تذبذب ايماني تنازعه انقسام طائفي، ولكن هذا البطريرك استطاع ان يجمع كلمتهم ثانية، برغم وصول رسائل من ابن عمه وكان على خصام معه، وزار القرية في عام 1783، وحرض الناس ليشكوا البطريرك، متهمين اياه بانه “فرنجي”، الى محمود باشا الحاكم العثماني الذي كان على علم بسلطة البطريرك على الطائفة، فترك له حرية التصرف في تلك الصراعات القبلية، وعاد الناس نادمين.
كنائس القرية ومزاراتها
كنيسة مار يوسف، شيدت في احد البساتين في سنة 1923، وفيها اثار قبور قديمة.
كنيسة مار ميخائيل، وكانت محوطة بمقبرة مسيحيي كويسنجق، قبل انشاء المقبرة المشتركة الحالية.
كنيسة العذراء حافظة الزروع، وهي حاليا الكنيسة الرئيسة، ويعود انشاؤها الى عام 1868، حين قام ببنائها محسن يدعى يوسف صرفيان، وهو ارمني ميسور من مدينة طوقان التركية، وذلك برعاية القس شمعون، وذلك في عهد المطران يوحنا تمرز، والبطريرك يوسف اودو، وفي حبرية البابا بيوس التاسع. وتم توسيع الكنيسة تحت اشراف الاب متي كوسا الراهب الشقلاوي، وباسهام الاهالي وبدعم من يوسف صرفيان حفيد المحسن المذكور، اضافة الى اسهام ادارة السلطة الرسمية.
هذه الكنيسة مشيدة بالحجر والكلس، وابعادها 21 X 8 م. وقد تمت اعادة بناء سقفها بالاسمنت والحديد مسنودا على ثلاثة اعمدة، مع توسيع طفيف باضافة متر واحد الى خلفية الكنيسة. وكان في فنائها قبور عديدة لكنها اندرست اثر الترميم، وفيها ايضا بئر ماء. وفي عام 1963 تعرضت الكنيسة الى النهب بسبب الاضطرابات في المنطقة. وقد انشئت مؤخرا دارا للكاهن بسخاء احد المحسنين، على ارض تعود الى الكنيسة، لان الدار القديمة كانت في حالة مزرية.
مزار مارت شموني، يقع هذا المزار جنوبي القرية بالقرب من المقبرة الحالية، ويؤمه الناس للصلاة والتضرع.
ومن الكهنة الذين خدموا في ارموتا، الاباء: صليوا رسام، الياس شير الراهب، كوركيس متي، ايليا مرقس التلسقفي، بولس عبدوكا، سليمان شيخو الراهب، اسحاق بطرس، يوسف سليمان بري، متي كوسا الراهب، ايليا حنا رسام الشقلاوي، وحاليا القس وحيد توما.
دير ماربينا: الى الشمال من قرية ارموتا بنحو 3 كم، يقع دير مار بهنام المعروف محليا ماربينا قديشا، في سفح جبل باواجي 1260 قدم وقرب قرية طوبزاوا. بناؤه من حجر وكلس، وخلفه مقبرة كبيرة. وثمة رايان بشان تاريخه، الاول: يربط هذا الدير بتاريخ دير مار بهنام المعروف في ضواحي الموصل، والذي بني تكريما للشقيقين بهنام وسارة اللذين يقال انهما من بين الشهداء الساسانيين خلال حملة الاضطهادات التي شنها شابور الثاني.
ويقول الراي الثاني: بانه حينما بلغت هجمات المغول دير مار بهنام في الموصل، اضطر الرهبان والكهنة الى النزوح باتجاه قرية ارموتا، فبنوا هذا الدير فيها، وسموه مار بهنام (ماربينا) تيمنا بدير مار بهنام الشهيد.
وكانت ثمة كتابة سريانية على الجدار الداخلي للدير قبل انهياره، تعود الى سنة 1741، يونانية، اي 1403م تقرا: ان كيخوا اوغان، احد وجهاء ارموتا قام باعمار هذا المكان. وفي مكان اخر كتبت عبارة بالكلدانية ايضا: “صلوا لاجلي ولاجلنا”. ومن الجدير بالذكر ان هذا الدير قد تم تفجيره وهدمه عام 1988 الا ان المؤمنين ابوا الا ان يعيدوه الى سابق عهده، ففي عام 1996 قام احد ابناء القرية وهو يعقوب باسي واولاده باعادة بناء الغرف الخمس المهمة فيه، ثم قامت لجنة مشتركة من كويسنجق وارموتا بجمع تبرعات في محاولة لتوسيعه واعادة تشييد بعض الاقواس والاعمدة القديمة فيه، عبر ممرين وبوابة تطل على ارموتا، بنيت بالحجر والكلس. وقد جمعت تبرعات من كويسنجق وارموتا وعنكاوا وشقلاوا والسليمانية وبغداد وبمشاركة من المسؤولين المحليين، بهمة اللجنة المذكورة، اضافة الى اسهام غبطة البطريرك مار روفائيل الاول بيداويد والقاصد الرسولي. وقد تم افتتاح الدير عام 1991، يوم عيده المحلي في الجمعة الاولى بعد عيد القيامة، بحضور المطران جاك اسحق وكهنة الابرشية وخارجها والمسؤولين. وما تزال اعمال تطوير اخرى كتوسيع الطريق المؤدية الى الدير، واقامة خزانين من الاسمنت لماء الشرب اضافة الى حملة تشجير، فبعثت الحياة في المكان وزادته جمالا.
ارموتا في التاريخ (لقلم تحرير مجلة الفكر المسيحي)
عن العلاقة بين ماربينا ومار بهنام، بحث الاب جان فييه هذا الموضوع في كتابه اشور المسيحية، جزء2، ص565-609، ويذكر عن وجود دير ماربينا في موقع يبعد ثلاثة ارباع الساعة مشيا على الاقدام عن كويسنجق، يزوره سنويا ابناء كوي وارموتا، وان اسم بهنام او فاهونام مذكور في قصص شهداء المشرق، وقد تناقلت الاجيال قصصا كثيرة عن شهيد يحمل هذا الاسم ويشير الاب فييه الى شيوع اسم القديس عينه في مناطق عديدة بسبب شعبيته. كما يذكر المؤرخ ميشيل شفالييه هذه القرية في كتابه “الجبليون المسيحيون من حكاري وكردستان الجنوبي”، ان قرية ارموتا الكلدانية في اواسط القرن التاسع عشر، كانت مشهورة بكرومها، وان العلاقة بين الكلدان والارمن في المنطقة، تعود الى السنوات 1820، حين كانت تجوب المنطقة قوافل تجار من الموصل يقيمون هناك بشكل مؤقت، ويتعاملون بخاصة مع ما ينتجه المسيحيون، من اقمشة خيام من صوف الماعز.
وذكر الاب جوزيف كامبانيللي الايطالي (رئيس الرسالة الدومنيكية في المنطقة بين السنوات 1802-1815، انه زار المنطقة وكتب في 1818: ان قرية ارموتا الكلدانية تقع على حافة كردستان الوسطى، قرب كويسنجق، ولرطوبة المناخ فيها، اشتهرت بانتاج الجبن والزبد، من حليب الاغنام، الذي كان من مقومات غذاء سكان المنطقة التي كانت فيها ايضا ابقار وماعز من النوع النادر المسمى”موهير”، وقد فتح الاباء الدومنيكان في سعرت، في نهاية القرن التاسع عشر، مشغل “سجاد الماعز” الذي اعتمد هذا النوع من الخيوط.