قصة قصيرة.. سارة شهيدة العفة

نشرت في مجلة نجم المشرق/العدد 26 (7) 2001 ص251-252

في قرية هي الأروع من قرى شمال البلاد، بجمالها الآخذ بالألباب وطبيعتها الخلّابة، وباشجارها زاهية الخُضرة وينابيعها العذبة، عاشت – منذ زمن ليس ببعيد – عائلة مسيحية ملتزمة، عيشة دعة وسلام.

كان لهذه العائلة بنت وحيدة إسمها سارة، وقد حباها الله بالجمال والذكاء معا، وفي كنفها نشأت وترعرعت، حيث المباديء المسيحية الرفيعة، والأخلاق السامية والإلتزام بالتقاليد والاعراف، على يد والدتها تعلمّت – منذ نعومة اظفارها – الصلوات والتضرعات.

كبرت الفتاة وصارت تعين والدتها في اعمال البيت، وصنع الخبز وإحضار الماء مع قريناتها من فتيات القرية من العين القريبة. كما أنها لم تتخلّف عن مساعدة والدها أيضاً في فلاحة الكرْم الذي كان مصدر رزقهم الوحيد. و لم تفارق سارة والدتها يوماً في التردد الى الكنيسة.

على هذه الحال وفي هذه الأجواء نشأت سارة حتى اصبحت ناضجة يانعة وعلى شفا الزواج.

في أحد صباحات الصيف الجميلة، ووسط زقزقة العصافير وحفيف الأشجار التي يهزّها نسيم لطيف عذب، استجابت الفتاة لمطلب والدتها لجني التين من الكرم في حضن جبل القرية الشامخ، فانتعلت نعلها وأخذت سلتّها ودنت الى والدها، الذي كان في الفراش يعاني من نزلة برد خفيفة، فقبّلت يده ثم قبّلت والدتها، وكأنها تودّعهما الوداع الأخير، وانطلقت صوب الكرم.

ولما وصلت الكرم أخذت تتسلق شجرة التين الكبيرة التي بدت لها كأنها تتيبّس وتنطفئ، فحزنت لها وقطفت ما تبقى فيها من الثمر. واذ كانت تهم بحمل سلّتها لتعود ادراجها، لمحت شخصين ملتحيين من مسافة ليست بعيدة، فأحست بالخطر، وتناولت سلّتها واسرعت الخطى، وهي تنظر بين الفينة والاخرى الى الوراء، وبدت لها صورتهما كوحشين ضاريين لصيد فريستهما لينقضا عليها ويلتهمانها. و إذ كانت سارة تعدو في الأزقة الضيقة، تداخلت رجلاها ببعضهما، فتعثرت من شدة الخوف وهي تدعو الرب في قلبها لينجيّها. تناثر التين من السلّة، وانقضّ الوحشان الكاسران عليها، محاولين النيل منها لإشباع رغبتهما الشهوانية الحيوانية، ولكن هيهات! فاخلاق سارة ارفع مما تصورا، وإصرارها يماثل إصرار جبل قريتها المتصدي لكل الهجمات والمتغيرات والعواصف. فقاومتهما مقاومة شديدة، اصيبا على اثرها بخيبة امل واحباط. فازدادا شراسة ووحشية، وفقدا توازنهما، فاحرج احدهما للحال، خنجره من تحت حزامه، وطعنها في صدرها، وهي ما زالت تناضل وتدافع عن شرفها حتى الرمق الاخير. توالت عليها الطعنات، وتلطّخت ايديهما الغادرة بدم سارة، هذا الدم الطاهر الذي تدفق لينضّم الى انهار الدماء سالت، من قبل، ثمناً للحرية والكرامة والطهر.

حزن عليها اهل القرية، ولكن عزاءهم الوحيد كان في بسالتها، والروح البطولية التي اتسمت بها، فكانت بحق شهيدة العفّة والشرف، قدوة ومثلا لكل الفتيات في كل زمان ومكان.

(*) فكرة القصة: من وحي حادث حقيقية جرت لفتاة تحمل الإسم نفسه، إستشهدت في شقلاوا، اذ كانت تحمل تينا من الكرم، فحاول شخصان الاعتداء عليها، لكنها امتنعت وقاومت، فطعناها حتى الموت. لا زال التقليد المحلي يحفظ القصة ويتناقلها، ويدعو بطلتها: بالقديسة سارة.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …