فضيلة الرجاء

الفضائل الالهية

فضيلة الرجاء

                           

تمهيد: الرجاء فضيلة

الرجاء هو الفضيلة الالهية التي بها نرغب في ملكوت السموات، والحياة الابدية، رغبتنا في سعادتنا، واضعين ثقتنا بمواعيد المسيح، ومستندين لا الى قوانا بل الى عون نعمة الروح القدس. “لنتمسك باعتراف الرجاء على غير انحراف، لان الذي وعد امين” (عبر10: 23). هذا الروح “افاضه علينا بوفرة، بيسوع المسيح مخلصنا، حتى اذا تبررنا بنعمة المسيح نصير ورثة على حساب رجاء الابدية” (تي3: 6-7).[1]

والرجاء كفضيلة الهية يتحقق على نحو فائق في الصلاة. ولقد علمنا يسوع نفسه صلاة الرجاء المعهودة، صلاة “الابانا”، التي توجه افكارنا واعمالنا نحو ملكوته الاتي. وفيما نصلي بروحه القدوس، تصفو في الوقت عينه كل توقعاتنا للمستقبل، وكل رغباتنا، وامالنا، وتخوفاتنا، وذلك من خلال الثقة بالله وبما وعدنا به.[2]

   ما هو الرجاء المسيحي؟

حول الرجاء المسيحي، قرات شرحا للكردينال كارلو ماريا مرتيني اليسوعي،[3] الذي قضى سنوات وهو يفكر في فضيلة الرجاء المسيحي، لكنه كلما غاص في دراسته (الرجاء)، قل فهمه له. ومع ذلك توصل الى ست مسلمات الخصها هنا:

-توازي المسلمة الاولى بين الرجاء المسيحي والرجاء كما يتخيله العالم ويعيشه، لان الرجاء هو معطى كوني نلتقي به في الكائن البشري. وهذا المعطى يحتوي ثلاثة عناصر: النزوع الى الشيء، وهو غني بالانتظارات، والى المستقبل؛ الثقة بان هذا المستقبل الذي ننتظره سوف يتحقق! الصبر والمثابرة وهما يسندان الانتظار. لانقدر على ان نتصور الحياة البشرية خالية من رجاء في المستقبل، من مشاريع، من انتظارات، من صبر ومن مثابرة. الا ان هذه الحياة تنسجها خيبات الامل، ولذلك فهي مفتوحة على الخيبة كما على الرجاء.

-ان الرجاء المسيحي ياتي من لدن الله، من العلاء، وهو فضيلة الهية. فالرجاء هو ان نحيا في استسلام تام بين ذراعي الله الذي ينشر فينا هذه الفضيلة فيغذيها، وينميها وينضجها ويقويها.

-في الرسالة الى روما يقول بولس: “لان بالرجاء خلصنا والرجاء المشاهد ليس برجاء لان ما شاهده الانسان كيف يرجوه؟” (روم8: 24). والرسول نفسه يستحضر هذا في الرسالة الى اهل قورنتس: ” كما كتب، ما لم تره عين ولا سمعت به اذن ولا خطر على قلب بشر ما اعده الله للذين يحبونه” (1قور2: 9). فقلوبنا، بكل احلامها ورغباتها وطموحاتها، لاتقدر على فهم هذا الخير اللامحدود الذي يحضره الله لنا، وذلك الخير هو هدف رجائنا الذي يعلو كل انتظار ورغبة.

-للرجاء المسيحي هدف، انه يصبو الى يسوع المسيح ومجيئه الثاني. ونحن نرجو ان ياتي يسوع المسيح، فنلقاه وجها لوجه، وان يستقبلنا بمجد الابن الجالس عن يمين ابيه، اذاك يصبح ملكوت الله حقيقة، واورشليم السماوية واقعا، والحياة في الله امرا جليا.

-الا ان عودة المسيح المرتقبة والمرجوة هي دينونة ايضا. وتاكيد هذا الامر ضروري في ايامنا هذه حيث يكثر الحديث ويتواتر عن موضوع العدالة والازمات. فظهور المسيح يسوع سوف يكون علامة الدينونة. لذلك يحذر بولس: “لا تدينوا احدا قبل الاوان، قبل ان ياتي الرب، فهو الذي ينير خفايا الظلمات ويكشف عن نيات القلوب وعندئذ ينال كل واحد من الله ما يعود عليه من الثناء” (1قور4: 5)

-بانتظار صدور ذلك الحكم الالهي، لابد ان نمسك بيسوع المسيح رجائنا الحي الذي سوف يديننا مثل المخلص، والذي خلص جميع الذين وضعوا فيه رجاءهم. هو يديننا بوصفه قد اعطانا الحياة، ومات ليخلصنا من خطايانا. هو يديننا مثل الذي نظر نظرة رحمة في اؤلئك الذين امنوا به ووضعوا رجاءهم فيه، والذين تعمدوا بموته وبقيامته، والذين اتحدوا به بالمائدة الافخارستية، والذين تغذوا من كلمته وتصالحوا واياه بفضل سر المغفرة، والذين رقدوا فيه وتقووا بمسحة المرضى.

اتهامات للمسيحية

تتهم الكنيسة بانها تكرز برجاء ليس مؤسسا على شيء، وانها تعتمده تعزية وهروبا من العالم وحسب. بينما رجاء المسيحيين له اساسه في تاريخ الله مع البشر، ولاسيما في قيامة يسوع المسيح. في تاريخ الخلاص اختبرت البشرية باستمرار امانة الله في ما قام به من اعمال قدرة. وقد ادى هذا الاختبار الى يقين الايمان بان الله امين في وعوده (هو2: 22، تث32: 4). ولقد صار اساس الرجاء اكثر وضوحا في العهد الجديد: “فلئن كنا نؤمن ان يسوع قد مات ثم قام، (فلنؤمن) كذلك بان الذين رقدوا في يسوع سيحضرهم الله معه” (1تس4: 14، 1كو15: 18-22).[4] الرجاء المسيحي هو غير التفاؤل والايمان بالتقدم. ففيه نوجه حياتنا الى الله، لاننا نثق باننا نجد فيه التحقيق النهائي. الرجاء بالنسبة للمسيحيين، ليس تعزية ولا هروبا من العالم. فالحياة في هذا العالم العابر هي في نظرهم، الطريق الى الحياة الابدية. والرجاء هو ما يدفعهم الى الالتزام في العالم ومن اجل العالم، اذ ان هذا العالم ينبغي ان يجد اكتماله في الله.[5]

تاثير الرجاء على الانسان

للرجاء تاثير على مواقف الانسان وسلوكه، فهو يعطي الفرح والاطمئنان: “اما الراجون للرب فيتجددون قوة، يرتفعون باجنحة كالنسور، يعدون ولا يعيون، يسيرون ولا يتعبون” (اش40: 31). الرجاء يصون من الخنوع، ويعطي ايضا قوة حيث يبدو ان كل شيء اضحى بلا امل. المسيحي يستطيع ان يصمد تجاه اكثر من خيبة امل. انه مقتنع بان معنى حياته غير مرتبط بنجاح بعض اعماله الفردية، انما بتوجيه كيانه الكامل نحو دعوته الاخيرة. لذلك فالرجاء بالمستقبل والخلاص يعنيان الكثير بالنسبة الى الحاضر. الرجاء يمارس ويغذى. وهذا يقوم بان نتذكر على الدوام عظائم الله. وينبغي ان تصير هذه الذكرى شكرا. ومن هذا الشكر تنمو الثقة والاطمئنان.[6]

ان حياتنا المسيحية التي ينبغي ان تتحقق بالايمان والمحبة هي حياة يملاها الرجاء. ورجاؤنا يعني ذلك الموقف الاساسي الذي يملانا يقينا وثقة بان الله سيحقق في يسوع المسيح وعده: الخلاص للكل، هذا هو فحوى الرجاء المسيحي.

 

[1]    التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه، لبنان 1999، 1817.

[2] المسيحية في اخلاقياتها، سلسلة الفكر المسيحي بين الامس واليوم-19، ترجمة المطران كيرلس سليم بسترس، المكتبة البولسية-، يروت 1999، 52.

[3] كارلو ماريا مرتيني اليسوعي، الفضائل، ترجمة الاب سليم دكاش اليسوعي، دار المشرق، بيروت 2011، ص82-88.

[4] المسيحية في اخلاقياتها، ص51.

[5] المصدر السابق، ص49.

[6] المصدر السابق، ص51-52.

شاهد أيضاً

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا

إصدار جديد لسيادة الحبر الجليل مار ازاد شابا تقديم: الاكليريكي ألفير أمجد ضمن سلسلة منشورات …