الفضائل الالهية
فضيلة المحبة
تمهيد: المحبة محور حياتنا
المحبة هي الفضيلة الالهية التي بها نود الله فوق كل شيء لاجل ذاته، ونود القريب كنفسنا لاجل الله. ويصف لاهوت القرون الوسطى المحبة بانها “صورة” كل الفضائل، اي المبدا الذي يعطيها شكلها وقيمتها، وهي التي تحيي وتلهم ممارسة جميع الفضائل.
والمحبة هي محور الحياة المسيحية واساس وحدتها. سواء تعلق الامر بالعلاقة مع الله، ام مع سائر الناس، ام مع المؤسسات الاجتماعية، ام مع الخليقة، فالمحبة هي التي تحرك كل شيء، ومنها تشع كل قوة، وتملا كل فكر حسن وكل عمل صالح. والمحبة المسيحية متاصلة في محبة الله، التي كشفت لنا في يسوع المسيح، وفيه وهبت لنا، وبه اوكلت الينا. لذلك يقول يسوع: “كما ان الاب احبني، انا ايضا احببتكم. فاثبتوا في محبتي” (يو15: 9).[1]
الله يعلن حبه في يسوع المسيح
في العهد القديم نجد المحبة وهي تتطور تدريجيا؛ فمن مبدا “الحق للاقوى” و “الثار الذي لا حد له” وصلت الى “النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن واليد باليد والرجل بالرجل”، بمعنى عدم تجاوز الضرر الذي احدث. وتواصل هذا التطور الى مطلب اقامة العدل بين الناس باسم اله العهد، والمعاملة بالرحمة، حتى وصل الى وصية المحبة.
اما في العهد الجديد فقد بلغت محبة القريب ذروتها القصوى؛ فهي تساوي بالاهمية محبة الله، وهذه الاخيرة تتجلى في الاولى: “من لا يحب اخاه وهو يراه، لا يستطيع ان يحب الله وهو لا يراه” (1يو4 :20). ثم ان هذه المحبة لا تكتمل الا بالعمل (القاعدة الذهبية): “كل ما تريدون ان يفعل الناس لكم، افعلوه انتم ايضا لهم” (مت7 :12؛ لو6 :31). بل واكثر من ذلك فان وصية المحبة لاتقف عند القريب، وانما تشمل ايضا الاشرار والاعداء. ومقياس هذه المحبة هو ما اظهره يسوع لنا حتى بذل حياته من اجلنا. هذه المحبة هي ما يطلبه يسوع منا، ان نكون على مثاله مستعدين لبذل حياتنا من اجل اخوتنا واخواتنا، بل ان تكون هذه المحبة عنواننا وعلامتنا الفارقة يعرفنا الناس من خلالها.[2]
بولس والمحبة
الرسول بولس كتب عن المحبة ملخصا معناها بنشيد هو الاجمل؛ “نشيد المحبة” (1 كور13)، وفي وصف للتعليم الكاثوليكي يشير الى ان بولس قد رسم بهذا النشيد لوحة فريدة للمحبة،[3] لانها “رباط الكمال” (كو3: 14)، تربط وتنسق الفضائل مع بعضها. انها مصدر ممارستها المسيحية ومنتهاها. المحبة تثبت وتنقي قوة حبنا الانسانية، وتسمو بها الى كمال المحبة الله الفائقة الطبيعة. فسلوكنا تجاه الله لا يستند الى مواهب خارقة، كالنبوة، ومعرفة الاسرار الالهية، والايمان الذي ينقل الجبال، بل الى المحبة. فبدونها ليس الانسان بشيء. فالتجرد التام، والتخلي عن كل الاموال، وبذل الحياة لا تفيد شيئا، ان لم تكن في هناك المحبة. فهي وحدها تعطي كل عمل قيمته. وبعد هذا التسبيح، يمتدح بولس المحبة في ظهورها وامتدادها في العلاقات بين الناس: “المحبة تتانى وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتباهى، ولا تنتفخ، لا تاتي قباحة، ولا تطلب ما لنفسها، لا تحتد، ولا تظن السوء”. هكذا نرى المحبة وهي تنبذ تصرفات خاطئة مثل؛ التباهي، التكبر، عمل القباحات، السعي وراء المصالح الشخصية، الغضب. المحبة تتجاوز الميول النفعية والهدامة، وفي الوقت عينه تعمل على تغيير الانسان بامتصاص الشر القابع فيه. وهي تمنح الصبر والصلاح، وتهب الفرح بالحقيقة، وتحتمل المحن وتثبت في الخيبات.[4] يضع بولس المحبة فوق الرجاء والايمان: “الان يثبت الايمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة؛ لكن اعظمهن المحبة” (1كو13: 13). المحبة هي الفضيلة التي لا تزول ابدا، على حد قول بولس ايضا.
انواع المحبة
المحبة انواع؛ محبة الاخوة، ومحبة الوالدين، ومحبة الاولاد، والمحبة الزوجية. وهناك محبة من نوع اخر: محبة الغرباء يجسدها مثل السامري الصالح الذي يلتقي في طريقه انسانا محتاجا لايعرفه ولن يلتقيه ثانية، ويقدم له العون المجاني (لو10: 25-37). وهناك نوع اخر من المحبة، هي محبة البعيدين، ويعبر عنها بالتزام الناس شخصيا او بتقديم مساعدات مادية الى اماكن بعيدة وبلدان اخرى، او بالتدخل السياسي من اجلهم. اما اعظم انواع المحبة حسب يسوع فهي: محبة الاعداء (متى5: 43-47)، وفيها نقابل بالاحسان حتى الذين يسيؤن الينا.
الله يعلن حبه في يسوع المسيح
في العهد القديم نجد المحبة وهي تتطور تدريجيا؛ فمن مبدا “الحق للاقوى” و “الثار الذي لا حد له” وصلت الى “النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن واليد باليد والرجل بالرجل”، بمعنى عدم تجاوز الضرر الذي احدث. وتواصل هذا التطور الى مطلب اقامة العدل بين الناس باسم اله العهد، والمعاملة بالرحمة، حتى وصل الى وصية المحبة.
اما في العهد الجديد فقد بلغت محبة القريب ذروتها القصوى؛ فهي تساوي بالاهمية محبة الله، وهذه الاخيرة تتجلى في الاولى: “من لا يحب اخاه وهو يراه، لا يستطيع ان يحب الله وهو لا يراه” (1يو4 :20). ثم ان هذه المحبة لا تكتمل الا بالعمل (القاعدة الذهبية): “كل ما تريدون ان يفعل الناس لكم، افعلوه انتم ايضا لهم” (مت7 :12؛ لو6 :31). بل واكثر من ذلك فان وصية المحبة لاتقف عند القريب، وانما تشمل ايضا الاشرار والاعداء. ومقياس هذه المحبة هو ما اظهره يسوع لنا حتى بذل حياته من اجلنا. هذه المحبة هي ما يطلبه يسوع منا، ان نكون على مثاله مستعدين لبذل حياتنا من اجل اخوتنا واخواتنا، بل ان تكون هذه المحبة عنواننا وعلامتنا الفارقة يعرفنا الناس من خلالها. ثم قد لقد خلق الانسان ليحب، ولا يقدر على ان يعيش من دون الحب.
امكانية تحقيق المحبة المسيحية
ليس من السهل تحقيق المحبة المسيحية. فهي تقتضي اندماجا في المجتمع البشري. ونظرة بسيطة الى هذا المجتمع تكفي لكي نعرف اين يتوجه الانسان؛ فعصرنا يسوده الانجرار وراء الربح السريع حتى لو كان على حساب الاخر، وتحقيق المصلحة الشخصية، والغاء الاخرين والصعود على اكتافهم. وهكذا تبدو كلمات يسوع وكانها صعبة بل مستحيلة التحقيق، او انها بعيدة عن الواقع. فالمصالحة ومحبة الاعداء والقاعدة الذهبية والمغفرة…تبدو غير مناسبة في زمننا. والمسيحي نفسه وقع ضحية الاغراءات والعلمنة فانساق مع التيار.
[1] المسيحية في اخلاقياتها، سلسلة الفكر المسيحي بين الامس واليوم-19، ترجمة المطران كيرلس سليم بسترس، المكتبة البولسية، بيروت 1999، ص452.
[2] المصدر السابق، 454.
[3] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، المكتبة البولسية، جونيه 1999، 1826.
[4] المسيحية في اخلاقياتها، ص453-454.