الأحد الرابع من البشارة
الله يحقق مشروعه
توجد في الكتاب المقدس قصة واحدة فقط، وهي قصة العهد الذي قطعه الله لابراهيم، أبي المؤمنين (اش 51/ 1-2)، والذي ظهر في الملك داود (اش 9/ 6؛ 11/ 1-9) وتم تحقيقه في يسوع (غلا 3/ 28-29).
القراءة الاولى (1 صموئيل 1/ 1 -18):
هذه القراءة تدل على أن الله يواصل مشروعه بالرغم من كل العوائق. وتنقل لنا خبر ولادة صموئيل التي تشبه ولادة إسحق (تك 21/ 2)، شمشون (قض 13/ 2)، ويوحنا المعمدان (لو 1/ 7): فمن امرأة عاقر وذليلة، ولد ذاك الذي يكون كفيل أمانة الشعب لقصد الله في وسط التقلبات الحاصلة. صموئيل هو الذي طلبته أمه حنة من الرب بعد أن كانت عاقرا تجاه ضرتها فننة. سمع صوت الرب يوم كان كلام الرب نادرا، ورأى الرب يوم كان عالي الكاهن، شبه أعمى لا يرى ولا يعرف أن الرب هو الذي يكلم صموئيل الا بعد ثلاث مرات. بما أن الرب هو السيد، فهو الذي يختار من يقوم مقامه في خدمة شعبه. صموئيل انتظرته أمه طويلا، وقدمته للرب، فدعاه في الحلم وانتظر منه الجواب اللازم: تكلم يارب، فان عبدك سامع (1 صم 3/ 10). سمع صموئيل صوت الرب فلم يهمل شيئا من جميع ما كلمه به الرب. لهذا كان الرب معه، فأنجحه في جميع أعماله. كتاب صموئيل وإن كان كتاب الملوك والملكية، إلا أنه لا يؤله الملوك (لأنهم بشر وخطأة)، بل الملك يبقى خاضعا لشريعة الله، إذا أراد أن يكون الله معه ويباركه. فالأنبياء ولا سيما اشعيا، يشيرون علينا بالملك الحقيقي الذي يحل عليه روح الرب. هو الذي يقضي للفقراء بالعدل، وينصف المظلومين” (اش 11/ 2-4). ولكن لن يكون ملك أرضي على هذا المستوى. لهذا انتظر المؤمنون من يأتي من السماء، فهتفوا: ليتك تشق السماوات وتنزل (اش 63/ 19). وقد انشقت السماوات وكان صوت من السماء: “أنت ابني الحبيب عنك رضيت” (مت 3/ 17، 17/ 5). فجاء الملك الذي هو ابن داود بعد أن قال الرب: “اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك” (مت 22/ 44). هكذا هذا المولود صموئيل سيصبح قاضيا يقضي في الشعب ويهتم باموره، فيبعد الأعداء في الخارج، ويقيم العدالة في الداخل. فيكون المثال للملكية، ولا سيما حين أشهد الشعب عليه: ما أخذ شيئا من أحد، ما أساء الى أحد، ما ظلم أحد، ما ارتشى. واعترفوا كلهم بشهادته (1 صم 12/ 1-5). فيعلن صموئيل بأن الطاعة لله أفضل من الذبائح (1 صم 15/ 22)، ليصبح مثالا روحيا للمؤمنين.
القراءة الثانية (أفسس 5/ 5-21):
مثال صموئيل هو ما يدعو اليه بولس من خلال توجيهاته الأخلاقية في هذا النص الغني والقوي. حيث يحث الرسول المعمدين على حياة الوحدة، والابتعاد عن الحياة القديمة وتبني الحياة الجديدة. أبناء الله يلتزمون بحياة يسوع المسيح الذي بذل حياته عنهم، فيحيون حياة تتوافق مع حياة الله الذي هو محبة. هذه الحياة الجديدة تتضمن تبدلا في موقف الانسان، فينتقل من الظلمة الى النور، ومن الفجور والشهوة الى الصلاة والبر والحق. والمسيحيون اذ يرتبطون مع الوثنيين بعلاقات اجتماعية على مثال الرب، لكنهم لا يسايرونهم في طريقة حياتهم، هم في العالم ولكنهم لا يتصرفون كما لو كانوا من العالم. فهم قديسون بعيدون عن الزنى، وهم هيكل الروح القدس وأعضاء المسيح، فلا يجعلون أعضاء المسيح أعضاء امرأة زانية (1 كور 6/ 15). ولكن ليظهروا أنهم نور في حياتهم اليومية وينتبهوا أن لا يتحول هذا النور إلى ظلام. الرسول يقول إننا مدعوون أن نكون نورا. ولكن كيف يمكن ذلك؟ فنحن لسنا نورا. لو فحص كل واحد منا نفسه، فلا يقدر أن ينكر كم مرة في اليوم يغلب الظلام في قلبه. يغلب نقص الرجاء، نقص الصبر. ويغلب الحكم على الأخ وتغلب الشكوى. ولكن بولس يقول لنا: “أنتم الآن نور في الرب”. الطريق لهذا هو أن نكون فيه وهذا ممكن لأننا نحن خاصته، نحن أبناؤه. نقدر أن نكون نورا لان الرب يريدنا ويحبنا وبسبب حبه هذا لا يقدر الا أن يمنحنا نوره، وروحه. ثمر النور هو كل صلاح، عدل وحق. تكتب القديسة تريزا الطفل يسوع: “هذا النور يمثل الحب الذي يجب أن ينير ويبهج، لا الذين هم أعزاء علي فحسب، ولكن الجميع دون استثناء أحد”.
القراءة الثالثة (متى 1/ 18-25):
يستهل متى انجيله بموضوع نسب يسوع، لكنه سرعان ما يأتي بموضوعه الأساس: الاعتراف بيسوع مسيحا، مرتكزا في سر يسوع وشخصيته كانسان اله. ولهذا فحال انتهاء النسب عند يوسف يضيف متى، أن لا دور ليوسف في ولادة يسوع. كما أننا لا نجد لدى متى أي ذكر ليوحنا المعمدان على الإطلاق (كما لدى لوقا). التركيز كل التركيز على يسوع الذي هو تحقيق مواعيد العهد القديم. ولا يقول متى أن يوسف “ولد” يسوع. بل هو رجل مريم التي ولدت يسوع الذي يدعى المسيح. يريد متى أن يفهمنا أن يسوع ليس ابن يوسف على المستوى الطبيعي، بل على المستوى الشرعي (تبنى يوسف الولد)، وهكذا كان يسوع ابن داود. هذا النص ليس تعليما عقائديا، هو تعبير من متى عن إيمانه المسيحي. المهم أن نكتشف مركز اهتمامه أي الحبل البتولي. يستخدم متى أسلوبه الخاص في الجواب على الصعوبات، هكذا يجعل يوسف أول شاهد للولادة البتولية. هو يدافع عن ولادة يسوع البتولية (من عند الله) بواسطة هذه القصة التي يؤلفها هو. ويضع فيها بعدا كنسيا أيضا: فهو يغير النص اليوناني من اشعيا: “… وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل (اش 7/ 14)، ويكتب: “… وتلد ابنا ويدعونه” (متى 1/ 23): سوف يدعونه كذلك، من؟ المؤمنون أي الكنيسة المسيحية. فالشخص المهم هو يسوع والكنيسة المسيحية (نحن). هذا النص هو فرصة جميلة لإعلان البشرى المسيحية: الله الأمين يحقق في يسوع (وفي من يدعونه عمانوئيل) جميع مواعيده (بركة لجميع عشائر الأرض تك 12/ 3 وملكوت سلام لا انقضاء له، لأنه “معنا الله”).
بمولد يسوع المحرر والمخلص اكتملت الأزمنة وتمت المواعيد وتحقق مشروع الله، لأن يسوع هو:
موسى الجديد: الذي يعطي الشريعة الجديدة (خمس عظات)، مثل موسى (خمسة أسفار). أعطى يسوع الخطبة الاولى من على الجبل، كما فعل موسى حين أعطى الشريعة للشعب. لاقى يسوع التهديد والخطر، مثلما لاقى موسى. جاء يسوع بالخلاص للجميع، مثلما فعل موسى اذ خلص شعبه من الموت. لكن يبقى يسوع أعظم من موسى الذي كان عبدا في بيت الله، بينما يسوع هو الابن (عبر 3/ 5).
ابن داود: الذي حقق المواعيد التي قطعها الله من خلال الأنبياء (2 صم 7/ 1؛ اشعيا 7/ 14). وباعتباره ابن ابراهيم، فإنه يتمم تماما الوعد الذي قطعه لمؤسس شعب الله: “وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض… وأجعلك مثمرا جدا جدا، وأجعلك تصير مثمرا جدا”. منك يولد أمم وملوك” (تك 17: 6؛ غلا 3: 8-29).
ابن الله: الذي يعني الملك وابن داود، بل ذاك الذي هو الله وابن الله. فقد صرخ التلاميذ من على متن السفينة: “بالحقيقة أنت ابن الله” (14/ 33). وأعلن بطرس عن الرسل: “أنت المسيح ابن الله الحي” (16/ 16). واعترف قائد المئة الوثني: “بالحقيقة كان هذا ابن الله” (27/ 54).
ابن الإنسان: الآتي على سحاب السماء (دا 7/ 13-14)، الذي له سلطان الدينونة. وحققت القيامة ما أنبأ به يسوع أكثر من مرة: “متى جلس ابن الانسان على عرش مجده …” (19/ 28)؛ “وتظهر في ذلك الحين علامة ابن الانسان في السماء … ويرى ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء” (24/ 30)؛ “… سترون ابن الإنسان آتيا جالسا عن يمين الله القدير وآتيا على سحاب السماء” (26/ 64). وعليه، جاز ليسوع أن يكون في الحقيقة تجسيدا لجميع المضطهدين وجميع الصغار والمساكين الذين أصبح واحدا منهم (نص الدينونة الاخيرة 25/ 36-46).
من طقسنا: صلاة الصباح لهذا الأحد
أعلن رئيس الملائكة بشارة السلام، وبشر بالحبل بالمسيح نورا للعالم.